بعضهم : الربّانيّون العبّاد ، والأحبار العلماء (١). (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ) : أى في إقامة الحدود على أهلها من كانوا (وَاخْشَوْنِ) : أى في إقامتها (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٤٤).
قال بعضهم : نزلت في اليهود في القتيل عمدا ؛ كانوا أمروا فيه بالقود ، والآية الأخرى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) في النصارى ؛ كانوا أمروا بالعفو في القتيل عمدا ، والآية الأخرى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [في الكفّار كلّهم] (٢). قال : كلّ هذه الآي في أهل الكتاب.
وقال جابر : سئل حذيفة بن اليمان عن هذه الآي الثلاث : قوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) و (الظَّالِمُونَ) و (الْفاسِقُونَ) أهي خاصّة في أهل الكتاب من اليهود والنصارى أم هي عامّة فيهم وفيمن أقرّ بالإسلام ودان به؟ فقال حذيفة : بخ بخ (٣) نعم الإخوة بنو إسرائيل إن كان لكم حلوها وعليهم مرّها ، بل هي السنّة في إثر السنّة كالقذّة تحذى على القذّة (٤). يعني أنّها عامّة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى ولأهل الإسلام ؛ من لم يحكم منهم جميعا بما في كتابه وبما عهد إليه ربّه وأمره به نبيّه محمّد صلىاللهعليهوسلم فهو كافر ظالم فاسق ، غير أنّ كفر أهل الكتاب في ذلك كفر جحود وهو شرك ، وكفر أهل الإقرار بالله والنبيّ كفر نفاق ، وهو ترك شكر النعمة ، وهو كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق (٥).
__________________
(١) كذا في د وع : وفي ز ورقة ٨٣ : «قال قتادة : الربّانيّون فقهاء اليهود والأحبار علماؤهم». وفي تفسير الطبري ، ج ١٠ ص ٣٤١ : «والربّانيّون جمع ربّانيّ ، وهم العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس وتدبير أمورهم والقيام بمصالحهم والأحبار هم العلماء ...». و «أمّا الأحبار فإنّهم جمع حبر وهو العالم المحكم للشيء ، ومنه قيل لكعب : كعب الأحبار ...».
(٢) زيادة من ز ورقة ٨٣ ، وهي موجودة أيضا في الدرّ المنثور ، ج ٢ ص ٣٨٦.
(٣) بخ ، كلمة تقال عند مدح الشيء والرضا به ، وتكرّر للمبالغة وتكسر الخاء : بخ بخ.
(٤) القذّة : ريش السهم ، وحذا يحذو : قدّر وقطع. فالقذّة تقدّر وتقطع على مثيلتها. ويضرب هذا مثلا للتسوية الدقيقة الكاملة بين الشيئين. وفي الحديث : «لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة». كما في اللسان (قذذ.)
(٥) روى الطبري في تفسيره ، ج ١٠ ص ٣٤٩ ـ ٣٥٠ خبر حذيفة من طرق ثلاثة عن أبي البختريّ التابعيّ الذي لم يسمع من حذيفة. وراوي الخبر هنا هو جابر ؛ واسم جابر إذا أطلق في كتب التفسير والحديث فإنّه ـ