قال الحسن : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) أى : من لم يتّخذ ما أنزل الله دينا ويقرّ به فهو كافر ظالم فاسق.
قوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها) : أى في التوراة (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ). وهذه الآية مفروضة على هذه الأمّة. وكلّ ما ذكر الله في القرآن أنّه أنزله في الكتب الأولى ثمّ لم ينسخه في القرآن فهو ثابت يعمل به ، لأنّه في كتاب الله ولم ينسخه. وفي ذلك دليل على أنّ من لم يحكم من أهل القرآن بما أنزل الله فيه فهو كافر ظالم فاسق ، كما كان يكفر به من حكم من أهل الكتاب بغير ما أنزل الله في التوراة والإنجيل. ألا ترى أنّ علينا في كتابنا مثل ما عليهم في كتبهم من (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ...) إلى آخر الآية. كذلك من لم يحكم منّا ومنهم بما أنزل الله في كتابه وعلى ألسنة رسله فهو كافر ظالم فاسق (١).
__________________
ـ ينصرف غالبا إلى أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري. وهو يعدّ من الحفّاظ الذين رووا سنّة النبيّ عليهالسلام. وقد توفّي جابر بن عبد الله سنة ثمان وسبعين للهجرة. فقد يكون روى رواية صحابيّ عن صحابيّ ، عن حذيفة الذي توفّي سنة ستّ وثلاثين للهجرة. هذا ولا يبعد أن يكون جابر المذكور هنا هو أبا الشعثاء جابر بن زيد ، فإنّه أدرك ، وهو دون العشرين ، حذيفة بن اليمان وروى عنه كما روى عن سبعين بدريّا. وقد روى جابر بن زيد أقوالا لحذيفة حول النفاق والمنافقين حسبما جاء في مسند الربيع بن حبيب ، ج ٤ ص ١٤ ـ ١٥ (أرقام ٩٢٩ ، ٩٣١ ، ٩٣٢ ، ٩٣٣). إنّ كلام حذيفة ينتهي في تفسير الطبري وفي هذا التفسير إلى قوله : «كالقذّة تحذى على القذّة» ، وما بعده لا يعدو أن يكون من كلام جابر ، راوي الخبر ، أو من كلام ابن سلّام ، أو من كلام الشيخ هود الهوّاريّ. ويبدو لي أنّ هذا الكلام من شرح الشيخ هود ؛ فهو إلى تعبيره أقرب ، وبأسلوبه أشبه ، وممّا يقوّي هذا الترجيح ـ ولا أجزم به ـ هو أنّ خبر حذيفة هذأ وشرحه غير واردين في مخطوطة ز التي هي مختصر تفسير ابن سلّام لابن أبي زمنين.
(١) هذا تأكيد وإيضاح للجملة السابقة : «وهذه الآية مفروضة على هذه الأمّة ...» إلى قوله : «فهو ثابت يعمل به». فهو يؤيّد كلام ابن سلّام كما جاء في مخطوطة ز ورقة ٨٣. وما بعده من الاستدلال من كلام الشيخ هود ولا شكّ. فهو يؤيّد رأي ابن سلّام من جهة ، وكأنّه يشير من جهة أخرى إلى ما يذهب إليه الإباضيّة في مسألة أصوليّة اختلف فيها العلماء ، وهي شرع من قبلنا هل هو شرع لنا أو لا. فالحنفيّة مثلا يقولون بأنّ شرع من قبلنا هو شرع لنا ؛ قال السرخسيّ في أصوله ، ج ٢ ص ٩٩ : «وأصحّ الأقوال عندنا أنّ ما ثبت بكلام الله أنّه كان شريعة من قبلنا أو ببيان من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنّ علينا العمل به على أنّه شريعة لنبيّنا ما لم يظهر ناسخه». والإباضيّة يقولون به كذلك بشرطين ؛ يقول أبو محمّد عبد الله بن حميد السالمي في منظومته ـ