ثمّ قال : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) : يعني بذلك النفاق. يقول : في قلوبهم نفاق ، فنسب النفاق إلى القلب كما نسب الإثم إليه ، كقوله في الشهادة : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [سورة البقرة : ٢٨٣](فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) : أى الطبع على قلوبهم بكفرهم. (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) : يعني عذابا موجعا (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (١٠) : مخفّفة ؛ أى : بقولهم : إنّا مؤمنون وليسوا بمؤمنين إذ لم يستكملوا فرائض الله ولم يوفوا بها ، فهذا تفسير من قرأها بالتخفيف. ومن قرأها بالتثقيل : بِما كانُوا يَكْذِبُونَ فهو يريد : بعض العمل أيضا تكذيب (١) يقول : إنّ التكذيب تكذيبان : تكذيب بالقول وتكذيب بالعمل. ومثله في اللغة أن يقول القائل للرجل إذا حمل على صاحبه فلم يحقّق في حملته : كذب الحملة ، وإذا حقّق قالوا : صدق الحملة. فمن قرأها بالتخفيف فهو يريد الكذب على معنى ما فسّرناه أوّلا.
وأخت هذه الآية ونظيرتها التي في براءة : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٧٧) [سورة التوبة : ٧٧]. يقول : أعقبهم ، بالخلف والكذب الذي كان منهم ، نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه. ومن قرأها بالتثقيل فهو بالمعنى الآخر الذي وصفناه آخرا ، ولا يعني به جحدا ولا إنكارا ، لأنّ مرض النفاق غير مرض الشرك ، وكذلك كفر النفاق غير كفر الشرك.
قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) : بالعمل بالمعصية (٢) (قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (١١) : يزعمون أنّهم بمعصية الله والفساد في الأرض مصلحون. قال الله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (١٢) : أى : لا يشعرون أنّ الله يعذّبهم في
__________________
ـ الآيتين [الحديد : ١٣ ـ ١٤].
(١) جاء في د : «يريد : بعض العمل أيضا قول». وهو خطأ. وفي ق وع : «يريد بعض العمل أيضا يقول ...» وفيها نقص. والصحيح ما أثبته ؛ فإنّ ما بعده من تفصيل يؤكّده. وانظر ابن خالويه ، الحجّة ص ٤٤. وقد رجّح الطبريّ في تفسيره ج ١ ص ٢٨٤ القراءة بتخفيف الذال.
(٢) جاء في ز : «(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) يعني لا تشركوا. (قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) أى أظهروا الإيمان (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) أنّ الله يعذّبهم في الآخرة». وهذا تفسير ابن سلّام ولا شكّ. وما جاء من تغيير في التأويل أو من زيادة ممّا أثبتّه من د وق وع فهو للشيخ هود الهوّاري. وهذا نموذج من عمله في كامل الكتاب ؛ فما جاء في تفسير ابن سلّام موافقا لأصول الإباضيّة أثبته ، وما خالفها حذفه وأثبت مكانه ما وافق رأي الإباضيّة في مسألة الإيمان والكفر وفي مسائل أخرى من مسائل الخلاف.