الآخرة ولا [ينفعهم] (١) إقرارهم وتوحيدهم. وهذا يدلّ على أنّ المنافقين ليسوا بمشركين.
قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) : يعني : وإذا قال لهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون (آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) أى : أكملوا إيمانكم بالفعل الذي ضيّعتموه (كَما آمَنَ النَّاسُ) أى : كما آمن المؤمنون المستكملون القول والعمل (قالُوا) : يقول بعضهم لبعض : (أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) : أنؤمن كما آمن سفيه بني فلان وسفيه بني فلان ممّن آمن ووفّى ، يعيبونهم بالوفاء والكمال ، ولم يعلنوا ذلك للنبيّ عليهالسلام. قال الله : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (١٣) : أنهم سفهاء في تفسير الحسن. وفي تفسير السّدّيّ : ولا يعلمون أنّ الله يخبر نبيّه بقولهم.
قال تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) : يعني الكفّار في تفسير الحسن. وفي تفسير غيره من أصحابنا : إلى كبرائهم وقادتهم في الشرّ (٢). (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (١٤) : بمحمّد وأصحابه. وتفسير الاستهزاء في هذا الموضع : إنّما نحن مخادعون محمّدا وأصحابه. يقول الله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) : أى الله يخدعهم بمخادعتهم رسوله. وقال في سورة النساء : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢].
ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يجاء بالمستهزئين يوم القيامة فيفتح لهم باب من الجنّة ، فيدعون ليدخلوها ، فيجيئون ليدخلوها ، فإذا بلغوا الباب أغلق دونهم فيرجعون. ثمّ يدعون ليدخلوها ، فإذا بلغوا الباب أغلق دونهم فيرجعون. ثمّ يدعون ، حتّى إنّهم ليدعون فما
__________________
(١) زيادة لا بد منها ليتمّ المعنى وتصحّ العبارة. وقد أورد القطب (اطفيّش محمّد) في تفسيره : هميان الزاد ، ج ١ ص ٢٦٩ وص ٢٧٣ قول الشيخ هود هذا وعلّق عليه.
(٢) ورد هذا القول الأخير في ز ، ورقة ٤ منسوبا إلى قتادة. وكذلك جاء في تفسير الطبري ، ج ١ ص ٢٩٢. وفي تفسير ابن كثير ج ١ ص ٩٠. فهل كان قتادة من أصحاب الهوّاريّ الذين يروي عنهم أحيانا؟ ثمّ من هم هؤلاء الأصحاب الذين فسّروا قبله القرآن تأليفا أو تدريسا فنقل عنهم آراءهم وأقوالهم؟ إنّنا لا نعلم للإباضيّة تفاسير كاملة لكتاب الله قبل الهوّاريّ إلّا تفسيرا نسب إلى الإمام عبد الرحمن بن رستم ، وآخر إلى الإمام عبد الوهّاب. وليس ببعيد أن يكون الهوّاريّ قد اطّلع عليهما. وليس بين أيدينا الآن ـ فبما بحثت وعلمت ـ شيء من تفسيريهما حتّى نتمكّن من المقارنة بين هذه التفاسير ونخرج بجواب شاف في الموضوع. أمّا أبو المنيب محمّد بن يانس ، المفسّر الذي ناظر المعتزلة ، فلم يؤثر عنه أنّه ترك أثرا مكتوبا في التفسير.