يجيئون من الإياس (١).
وهذه الرواية عن الحسن تحقّق ما تأوّلنا عليه هذه الآية أنّ الاستهزاء في هذا الموضع هو الخداع ؛ يخدعهم الله في الآخرة كما خدعوا النبيّ عليهالسلام والمؤمنين في الدنيا ؛ وهو قوله : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ).
قوله : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٥) قال بعضهم : في ضلالهم يلعبون. وقال بعضهم : في ضلالتهم يتمادون.
قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) : يعني اختاروا الضلالة على الهدى. وقال بعضهم : استحبّوا الضلالة على الهدى. قال الله : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١٦).
ثمّ ضرب مثلهم فقال : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (١٧) : [قال الحسن : يعني مثلهم كمثل رجل يمشي في ليلة مظلمة في يده شعلة من نار ، فهو يبصر بها موضع قدميه ، فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فلم يبصر كيف يمشي] (٢) ، وإنّ المنافق تكلّم بلا إله إلّا الله فأضاءت له في الدنيا ، فحقن بها دمه وماله وسباء (٣) ذرّيّته ، وناكح بها المسلمين وغازاهم ووارثهم بها ، وأخذ الحقوق ، فلمّا جاءه الموت ذهب ذلك النور ؛ لأنّه لم يحقّقه بعمله ولم يكمّل فرضه ، فطفئ نوره القليل الذي كان معه ، وهو التوحيد ، كما طفئت النار التي استوقدها صاحبها فأضاءت ما حوله ، فبقي في ظلمه حين طفئت النار.
ثمّ قال : (صُمٌّ) : يعني عن الهدى فلا يسمعونه (بُكْمٌ) : عنه فلا ينطقون به (عُمْيٌ) : عنه فلا يبصرونه. ثمّ قال : (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (١٨) : أى إلى الإيمان ، يعني أنّهم لا يتوبون من نفاقهم.
ثمّ ضرب مثلا آخر فقال : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) : يقول هذا المثل أيضا : مثل المنافق.
__________________
(١) رواه يحيى بن سلّام عن المبارك بن فضالة عن الحسن مرسلا.
(٢) زيادة من ز. ورقة : ٥.
(٣) كذا في د : «سباء». وفي ق وع : «سبي». وكلاهما مصدر صحيح.