والصيّب : المطر. ذكروا عن النبيّ عليهالسلام أنّه كان إذا استسقى قال : اللهمّ صيّبا هيّنا (١) ، وهو تفسير مجاهد : (فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) : قال [بعضهم] : كان المنافقون إذا أصابوا في الإسلام رخاء وطمأنينة طابت أنفسهم في ذلك وسرّوا به في حال دنياهم ، وإذا أصابتهم فيه شدّة لم يصبروا عليها ولم يرجوا عاقبتها. فالظلمات هي الشدّة ، والرعد هو التخوّف إذا تخوّفوا أن تأتيهم شدّة.
والمطر فيه الرزق ، وتكون فيه الظلمة والرعد والبرق ، فضرب الله ذلك مثلا ، والبرق مثل نور الإسلام في تفسير الحسن. وقال ابن عبّاس : هو نور القرآن. وهو واحد. (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) : وهذا كراهيّة من المنافقين للجهاد لأنّهم لم تكن لهم حسبة (٢) في الشهادة والجهاد في سبيل الله.
قال الله : (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) (١٩) : يقول : والله محيط بالمنافقين ، وهو كفر دون كفر الشرك. يقول : هو من (٣) وراء المنافقين حتّى يخزيهم بنفاقهم وكفرهم.
قوله : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) : أى مضوا فيه (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) : [أي بقوا لا يبصرون] (٤) ، يعني بذلك المنافقين. يقول : إنّ المنافقين إذا رأوا في الإسلام رخاء وطمأنينة طابت أنفسهم بذلك وسرّوا به في حال الدنيا ، وإذا أصابتهم شدّة قطع بهم عند ذلك فلم يصبروا على بلائها ، ولم يحتسبوا أجرها ، ولم يرجوا عاقبتها. قال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) : حين أقرّوا ولم يوفّوا (٥). (إِنَّ اللهَ عَلى
__________________
(١) كذا ورد هذا الدعاء : «اللهمّ صيّبا هيّنا». أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء ، باب ما يقال إذا أمطرت ، عن عائشة بلفظ : «اللهم صيّبا نافعا». ولفظ ابن منظور في اللسان : «اللهمّ اسقنا غيثا صيّبا».
(٢) في د : «خشية» وهو تصحيف. وفي ق وع : «جلسة» ولا معنى لها. وصواب الكلمة ما أثبته : «حسبة» وهو احتساب الأجر على الله. يقال : فعلته حسبة ، أى : طلبا للأجر.
(٣) جاء في ق وع : «هو صرر» ، ولا معنى له. وفي د : «مروّ» هكذا ضبطت بضمّ الميم ، وفتح الراء ، وواو مشدّدة. وأنا في شكّ من الكلمة. وكأنّي بالناسخ تصرّف في ضبط الكلمة ، فذهب بمعناها إلى معنى التمهيل والإنظار ، كما في قوله تعالى : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) [الطارق : ١٧] ، ولكنّي لم أجد في معاجم اللغة «روّاه» بمعنى أمهله ؛ لذلك أثبتّ ما جاء في ز : «هو من وراء المنافقين» ، وهو الصحيح إن شاء الله ، يؤيّده قوله تعالى : (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) [البروج : ٢٠]. وما فسّر القرآن مثل القرآن.
(٤) زيادة من ز ، ورقة : ٥.
(٥) كذا في ق وع ود. وفي ز : «حين أظهروا الإيمان وأسرّوا الشرك».