التي تنمّ عن معرفته بتلك الحقيقة المذهلة للعقول ، فهو تعالى الكائن قبل كلّ شيء ، والموجود في كلّ مكان ، والقريب من كلّ نجوى ، فتعالى أن تدركه الأحلام ، أو تعرف واقعة العقول التي هي محدودة في إدراكها وتصوّرها ، فكيف تصل إلى إدراكه تعالى؟ ويستمرّ الإمام في دعائه فيقول :
والحمد لله ربّ العالمين ، الّذي لم يضرّه بالمعصية المتكبّرون ، ولم ينفعه بالطّاعة المتعبّدون ، الحليم عن الجبابرة المدّعين ، والممهّل للزّاعمين له شريكا في ملكوته ، الدّائم في سلطانه بغير أمد ، والباقي في ملكه بعد انقضاء الأبد ، والفرد الواحد الصّمد ، والمتكبّر عن الصّاحبة والولد ، رافع السّماء بغير عمد ، ومجري السّحاب بغير صفد (١) ، قاهر الخلق بغير عدد ، لكن الله الأحد ، الفرد الصّمد ، الّذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد.
والحمد لله الّذي لم يخل من فضله المقيمون على معصيته ، ولم يجازه لأصغر نعمه المجتهدون في طاعته ، الغنيّ الّذي لا يضنّ برزقه على جاحده ، ولا ينقص عطاياه أرزاق خلقه ، خالق الخلق ومفنيه ، ومعيده ، ومبديه ، ومعافيه ، عالم ما أكنّته السّرائر ، وأخبته الضّمائر ، واختلفت به الألسن ، وآنسته الأزمن ، الحيّ الّذي لا يموت ، والقيّوم الّذي لا ينام ، والدّائم الّذي لا يزول ، والعدل الّذي لا يجور ، والصّافح عن الكبائر بفضله ، والمعذّب من عذّب بعدله ، لم يخف الفوت فحلم ، وعلم الفقر إليه فرحم ، وقال في محكم كتابه : ( وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ ) ...
__________________
(١) الصفد : القيد.