عليّ ، وإقبال الآخرة إليّ ، ما يزعني عن ذكر من سواي ، والاهتمام بما ورائي ، غير أنّي حيث تفرّد بي دون هموم النّاس همّ نفسي ، فصدفني رأيي ، وصرفني عن هواي ، وصرّح لي محض أمري ، فأفضى بي إلى جدّ لا يكون فيه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب. ووجدتك بعضي ، بل وجدتك كلّي ، حتّى كأنّ شيئا لو أصابك أصابني ، وكأنّ الموت لو أتاك أتاني ، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي ، فكتبت إليك كتابي مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت ...
حكى هذا المقطع من كلام الإمام عليهالسلام الامور التالية :
أوّلا : عرض الإمام عليهالسلام إلى فنائه ، وإدبار عمره ؛ لأنّه في سنّ الشيخوخة ، ولا بدّ من مغادرته لدار الفناء إلى دار الخلود والبقاء.
ثانيا : أنّه حكى رغبات المولود في الدنيا ، وما يواجهه من الخطوب ، والتي منها :
١ ـ أنّه مستهدف للمصائب والمحن والخطوب.
٢ ـ أنّه عبد الدنيا ، وتاجر الغرور.
٣ ـ أنّه أسير الموت لا يدري متى سيرحل عن هذه الدنيا.
٤ ـ أنّ الإنسان في هذه الحياة تحالفه الهموم والأحزان.
٥ ـ أنّه خليفة الأموات ، فقد خلف من كان قبله ولا بدّ أن يخلفه من يأتي بعده.
ثالثا : أنّ الإمام عليهالسلام قد أيقن بإدبار الدنيا عنه ، وإقبال الآخرة عليه ، الأمر الذي صرفه عن كلّ شيء من امور الدنيا ، وجعله يتصرّف في جميع اموره بجدّ لا لعب فيه.