حدقتين قمراوين ـ أي مضيئة كالقمر ـ ، وجعل لها السّمع الخفيّ ، وفتح لها الفم السّويّ ، وجعل لها الحسّ القويّ ، ونابين بهما تقرض ، ومنجلين بهما تقبض (١). يرهبها الزّرّاع في زرعهم ، ولا يستطيعون ذبّها ، ولو أجلبوا بجمعهم ، حتّى ترد الحرث في نزواتها ، وتقضي منه شهواتها » (٢).
أرأيتم هذا الوصف الرائع الدقيق الذي أحاط بكنه هذا المخلوق وبصفاته وخواصّه.
النملة :
انظروا إلى وصف الإمام للنملة ، وما فيها من عجائب الإبداع وجمال الاسلوب قال عليهالسلام :
« ولو فكّروا في عظيم القدرة ، وجسيم النّعمة ، لرجعوا إلى الطّريق ، وخافوا عذاب الحريق ، ولكن القلوب عليلة ، والبصائر مدخولة! ألا ينظرون إلى صغير ما خلق ، كيف أحكم خلقه ، وأتقن تركيبه ، وفلق له السّمع والبصر ، وسوّى له العظم والبشر! انظروا إلى النّملة في صغر جثّتها ، ولطافة هيئتها ، لا تكاد تنال بلحظ البصر ، ولا بمستدرك الفكر ، كيف دبّت على أرضها ، وصبّت على رزقها ، تنقل الحبّة إلى جحرها ؛ وتعدّها في مستقرّها.
تجمع في حرّها لبردها ، وفي وردها لصدرها ؛ مكفول برزقها ، مرزوقة
__________________
(١) يقصد بالمنجلين : رجليها.
(٢) نهج البلاغة : ٨٥ ، الخطبة رقم ١٨٥.