بوفقها ؛ لا يغفلها المنّان ، ولا يحرمها الدّيّان ، ولو في الصّفا اليابس ، والحجر الجامس ـ أي الجامد ـ! ولو فكّرت في مجاري أكلها ، في علوها وسفلها ، وما في الجوف من شراسيف بطنها ، وما في الرّأس من عينها وأذنها ، لقضيت من خلقها عجبا ، ولقيت من وصفها تعبا! فتعالى الّذي أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها! لم يشركه في فطرتها فاطر ، ولم يعنه على خلقها قادر.
ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ، ما دلّتك الدّلالة إلاّ على أنّ فاطر النّملة هو فاطر النّخلة ، لدقيق تفصيل كلّ شيء ، وغامض اختلاف كلّ حيّ.
وما الجليل واللّطيف ، والثّقيل والخفيف ، والقويّ والضّعيف ، في خلقه إلاّ سواء » (١).
٦ ـ علم الكلام
من العلوم التي وضع اصولها وقواعدها علم الكلام ، ومنه أخذ المتكلّمون مناهج بحوثهم.
يقول ابن أبي الحديد : « ومن كلامه اقتبس ، وعنه نقل ، وإليه انتهى ، ومنه ابتدأ ، فإنّ المعتزلة الذين هم أهل التوحيد والعدل وأرباب النظر ، ومنه تعلّم الناس هذا الفنّ ، تلامذته وأصحابه لأنّ كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفية وأبو هاشم تلميذ أبيه ، وأبوه تلميذه عليهالسلام.
وأمّا الأشعرية فإنّهم ينتمون إلى أبي الحسن عليّ بن إسماعيل أبي بشر
__________________
(١) نهج البلاغة : ٨٤ ، الخطبة ١٨٥.