ثبت بعلة (١) الوزن ، وهو قول أصحاب الرأي ، وأثبتوا الربا في جميع الموزونات مثل الحديد والنحاس والقطن ونحوها ، وأما الأشياء الأربعة [المطعومة](٢) فذهب قوم إلى أن الربا ثبت فيها بعلة الكيل ، وهو قول أصحاب الرأي ، وأثبتوا الرّبا في جميع المكيل (٣) مطعوما كان أو غير مطعوم كالجصّ والنّورة ونحوهما ، وذهب جماعة إلى أن العلّة فيها الطعم مع الكيل والوزن ، فكل مطعوم وهو مكيل أو موزون يثبت فيه الرّبا ، ولا يثبت فيما ليس بمكيل ولا موزون ، وهو قول سعيد بن المسيّب وقاله الشافعي رحمهالله في القديم ، وقال في الجديد : يثبت فيها الربا بوصف الطعم ، وأثبت الرّبا في جميع الأشياء المطعومة من الثمار والفواكه والبقول والأدوية مكيلة كانت أو موزونة ، لما :
ع [٣٢٨] روي عن معمر بن عبد الله قال : كنت أسمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «الطعام بالطعام مثلا بمثل».
فجملة مال الربا عند الشافعي ما كان ثمنا (٤) أو مطعوما ، والرّبا نوعان ربا الفضل وربا النّساء ، فإذا باع مال الرّبا بجنسه مثلا بمثل بأن باع أحد النقدين بجنسه ، أو باع مطعوما بجنسه ، كالحنطة بالحنطة ونحوها يثبت فيه كلا نوعي الرّبا ، حتى لا يجوز إلّا متساويين في معيار الشرع ، فإن كان موزونا كالدراهم والدنانير يشترط المساواة في الوزن ، وإن كان مكيلا كالحنطة والشعير بيع بجنسه ، فيشترط المساواة في الكيل ويشترط التقابض في مجلس العقد ، وإذا باع مال الرّبا بغير جنسه نظر إن باع بما لا يوافقه في وصف الربا مثل : إن باع مطعوما بأحد النقدين فلا ربا فيه ، كما لو باع بغير مال الرّبا ، وإن باعه بما يوافقه في الوصف مثل : إن باع الدراهم بالدنانير أو باع الحنطة بالشعير أو باع مطعوما بمطعوم آخر من غير جنسه فلا يثبت فيه ربا الفضل حتى يجوز متفاضلا أو جزافا وثبت فيه ربا النسإ حتى يشترط التقابض في المجلس ، وقول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لا تبيعوا الذهب بالذهب» ، إلى أن قال : «إلا سواء بسواء» فيه إيجاب المماثلة وتحريم الفضل عند اتّفاق الجنس ، وقوله : «عينا بعين» فيه تحريم النسإ ، وقوله : «يدا بيد كيف شئتم» ، فيه إطلاق التفاضل عند اختلاف الجنس مع إيجاب التقابض في المجلس ، هذا في ربا المبايعة ومن أقرض شيئا شرط أن يردّ عليه أفضل [منه](٥) ، فهو قرض منفعة ، وكل قرض جرّ منفعة فهو ربا. قوله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) : تذكير وتخويف ، وإنما ذكر الفعل ردّا إلى الوعظ ، (فَانْتَهى) ، عن أكل الرّبا ، (فَلَهُ ما سَلَفَ) ، أي : ما مضى من ذنبه ، قبل النهي مغفور له (٦) ، (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) ، بعد النهي إن شاء عصمه حيث يثبت على الانتهاء ، وإن شاء خذله حتى يعود ، وقيل : أمره إلى الله فيما يأمره وينهاه ويحلّ له ويحرّم عليه ، وليس إليه من أمر نفسه شيء ، (وَمَنْ عادَ) ، بعد التحريم إلى أكل الربا مستحلّا له ، (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
__________________
ع [٣٢٨] ـ صحيح. أخرجه مسلم ١٥٩٢ وأحمد (٦ / ٤٠١) وابن حبان ٥٠١١ والطبراني (٢٠ / ١٠٩٥) والبيهقي (٥ / ٢٨٣) من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه أن بسر بن سعيد حدثه عن معمر بن عبد الله به.
ومطرّف هو ابن عبد الله بن الشّخّير.
__________________
(١) في المخطوط «يثبت لعلة» والمثبت عن نسخ المطبوع و «شرح السنة».
(٢) زيادة عن «شرح السنة» ٤ / ٢٤١ ـ ٢٤٢.
(٣) في المطبوع و ـ ط «المكيلات».
(٤) في المطبوع وحده «ثمارا».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المخطوط «بعفو ربه».