والأكثرون على أنه أمر استحباب ، فإن ترك فلا بأس ؛ كقوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) [الجمعة : ١٠] ، وقال بعضهم : كانت كتابة الدين والإشهاد والرهن فرضا ثم نسخ الكلّ بقوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) [البقرة : ٢٨٣] ، وهو قول الشعبي ، ثم بيّن كيفية الكتابة فقال جلّ ذكره : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) ، أي : ليكتب كتاب الدين بين الطالب والمطلوب (كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) ، أي : بالحق من غير زيادة ولا نقصان ولا تقديم أجل ولا تأخيره ، (وَلا يَأْبَ) ، أي : لا يمتنع ، (كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ) ، واختلفوا في وجوب الكتابة على الكاتب وتحمّل الشهادة على الشاهد (١) ، فذهب قوم إلى وجوبها إذا طولب ، وهو قول مجاهد ، وقال الحسن : يجب إذا لم يكن كاتب غيره ، وقال قوم : هو على الندب والاستحباب ، وقال الضحاك : كانت عزيمة (٢) واجبة على الكاتب والشاهد ، فنسخها قوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) ، (كَما عَلَّمَهُ اللهُ) ، أي : كما شرّعه الله وأمره ، (فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) ، يعني : المطلوب يقرّ على نفسه بلسانه ليعلم ما عليه ، والإملال والإملاء لغتان فصيحتان معناهما واحد جاء بهما القرآن ، فالإملال هاهنا (٣) ، والإملاء قوله تعالى : (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان : ٥] ، (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) ، يعني : المملي ، (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) ، أي : لا ينقص منه أي من الحق الذي عليه شيئا ، (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً) ، أي : جاهلا بالإملاء ، قاله مجاهد ، وقال الضحاك والسدي : طفلا صغيرا ، وقال الشافعي : السفيه المبذر المفسد لما له أو في دينه ، قوله : (أَوْ ضَعِيفاً) ، أي : شيخا كبيرا ، وقيل : هو ضعيف العقل لعته أو جنون ، (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) ، لخرس أو عيّ (٤) أو عجمة أو حبس أو غيبة لا يمكنه حضور الكتابة (٥) أو جهل بما له وعليه ، (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) ، أي : قيّمه ، (بِالْعَدْلِ) ، أي : بالصدق والحق ، وقال ابن عباس رضي الله عنه ومقاتل : أراد بالولي صاحب الحق ، يعني : إن عجز من عليه الحق من الإملال فيملل وليّ الحق وصاحب الدّين بالعدل لأنه أعلم بحقّه (٦) ، (وَاسْتَشْهِدُوا) ، أي : وأشهدوا (شَهِيدَيْنِ) ، أي : شاهدين (مِنْ رِجالِكُمْ) ، يعني : الأحرار المسلمين دون العبيد والصبيان [والكفار](٧) ، وهو قول أكثر أهل العلم ، وأجاز شريح وابن سيرين شهادة العبيد ، (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ) ، أي : لم يكن الشاهدان رجلين ، (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) ، أي : فليشهد رجل وامرأتان ، وأجمع الفقهاء على أن شهادة النساء جائزة مع الرجال في الأموال حتى يثبت برجل وامرأتين.
واختلفوا في غير الأموال ، فذهب جماعة إلى أنه يجوز شهادتين مع الرجال في غير العقوبات ، وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي ، وذهب جماعة إلى أن غير المال لا يثبت إلا برجلين عدلين ، وذهب الشافعي رحمهالله إلى أن ما يطّلع عليه النساء غالبا كالولادة والرضاع والثيوبة والبكارة ونحوها يثبت بشهادة رجل وامرأتين ، وشهادة أربع نسوة ، واتفقوا على أن شهادة النساء غير جائزة في العقوبات. قوله
__________________
(١) في المطبوع «الشهادة».
(٢) تصحف في المطبوع إلى «غريمة».
(٣) في المطبوع «هنا».
(٤) في المطبوع «عمى» وهو تصحيف. والمثبت عن المخطوط و ـ ط وتفسير الواحدي (١ / ٤٠٣)
(٥) في المطبوع «حصول الكتابة».
(٦) في المطبوع «بالحق».
(٧) زيادة عن المخطوط و ـ ط.