الصحيح ، فلو كان باب الحسن والقبح عبارة عن أحكام مجعولة على أساس المصلحة والمفسدة ، للزم أن يقال بالتزاحم هنا ، بينما العقلاء لا يبنون على جريان التزاحم في المقام ، حيث لا يبرّرون عملية قتل الصحيح بشفاء المريض أو كثير من المرضى ، وهذا معناه : انّ أخلاقية الحسن والقبح مستقل عن باب المصالح والمفاسد ، وهذا برهان على عدم الربط بين الحسن والقبح وبين المصالح والمفاسد ، وبالتالي فهذا منبه على واقعيّة الحسن والقبح وأنّهما صفتان ذاتيّتان واقعيّتان ليستا داخلتان في باب الجعل والاعتبار ، إذن فأساس هذه الفرضية غير تام ، لأنّه لم يقل أحد من المناطقة ، بأنّ الحسن والقبح من الأحكام العقلائية المجعولة من قبل العقلاء ، وإنّما الّذي ينبغي أن يكون تفسيرا لهذا المسلك وهذه الفرضية ، إنّما هو التفسير الثاني ، وهو أنّ الحسن والقبح قضايا تصديقيّة جزمية يجزم بها الإنسان في مقابل القضايا الظنيّة ، ولكن هذه القضايا ليست داخلة في باب القضايا الضرورية ، أي أنّها غير مضمونة الحقّانيّة ، ولهذا يقول «ابن سينا» ، بأنّه لو خلق إنسان منفردا عن مجتمعه ، منقطعا عن كل أحد ، لما أدرك لا بعقله ولا بحسّه ولا بوهمه انّ العدل حسن ، والظلم قبيح ، لأنّ هذه القضية ليست هي مدرك أوّلي للعقل أو الحسّ أو الوهم ، وإنّما الإنسان حينما يعيش مع الآخرين يحصل له تصديق بهذه القضايا ، إذن فهي قضية مشهورة لا ضرورية.
٢ ـ الفرضية الثانية : في تفسير مسلك المناطقة ، المتطابقة مع كلماتهم هي ، انّ قضية الحسن والقبح قضية تصديقية جازمة ، بمعنى أنّ كل إنسان يصدق تصديقا جازما بواقع يسميه ، «الحسن والقبح» ، ويرى بمنظار هذا التصديق الجزمي رؤية قطعية ، إنّ هناك أمرا واقعيا خارج نطاق نفسه ، وهو قبح بعض الأفعال وحسن بعضها الآخر ، إلّا أنّ هذا التصديق ليس منشؤه من كون هذه القضايا ضرورية مضمونة الحقّانيّة ، والّتي حصروها بأصناف ستة هي ، الأوليّات ، والفطريّات ، والحسيّات