والمتواترات ، والتجريبيّات ، والحدسيّات ، وهي الّتي تشكّل مواد الأقيسة في صناعة البرهان حيث تنتج تصديقا مضمون الحقّانيّة ، وإنّما قضية الحسن والقبح من غير هذا القبيل ، حيث أنّ التصديق الجازم بها يحصل نتيجة التأديب والتربية الاجتماعية العقلائية.
وتقريب عدم كون قضايا الحسن والقبح من القضايا الأولية المضمونة الحقّانيّة مبني على تشخيص الميزان في كون القضية أولية مضمونة الحقّانيّة أم لا ، لكي نميّز على أساسه بين القضية الضرورية ، والقضية المشهورة ، وهذا الميزان يمكن بيانه بإحدى صيغتين.
أ ـ الصيغة الأولى : هي أن يقال : إنّ الميزان الكلّي في القضية الضرورية مرتبط بجانب المدرك في القضية ، لا الإدراك نفسه ، فمتى كان ثبوت الحكم فيها للموضوع بالضرورة «كالأربعة زوج» ، «أو تنقسم إلى متساوين» ، فهي قضية مضمونة الحقّانيّة ، ومن المستحيل عدم انقسامها كذلك ، إذ المحمول ثابت فيها للموضوع بالضرورة.
نعم : إذا قلنا : «الإنسان موجود» فهذه قضية ليست ضرورية ، لأنّ الوجود للإنسان بالإمكان ، وليس من المستحيل أن لا يكون موجودا ، نعم لو حوّلنا هذه القضية إلى قضية «الإنسان ممكن الوجود» ، لأصبحت ضرورية ، لأنّ الإمكان ثابت للإنسان بالضرورة.
والحاصل هو انّ الميزان يرجع إلى جانب المدرك ، أي تكون جهة القضية ضرورية المدرك لا الإدراك نفسه ، فإنّه إذا كان ثبوت الحكم فيها للموضوع بالضرورة ، كما في الأربعة زوج ، تكون قضية أوليّة ضرورية مضمونة الحقّانيّة.
وهذا الميزان ـ بقطع النظر عن عدم انطباقه على أكثر ما اعتبروه قضايا ضرورية ، لو أردنا أن نحاسب مسألتنا على أساسه ـ هو منطبق على قضايا العقل العملي ، إذ أنّنا ندّعي انّ ثبوت الحسن للعدل ، والقبح