للظلم ، ثابت بالضرورة لا بالإمكان ، بل يستحيل أن لا يكون بالضرورة ، فإنّ عقل الإنسان يدرك هذا ، فهو جزء من مدركاتنا ، إذ أنّنا لا نرى نسبة القبح إلى الظلم كنسبة الماء إلى المسجد ، بل نرى انّ الحسن والقبح صفتان ذاتيتان لموضوعهما على حدّ ذاتية الزوجية للأربعة ، فإن كان هذا هو الميزان ، فهو ينطبق على مدركاتنا.
ب ـ الصيغة الثانية : وهي أكثر انسجاما مع كلماتهم.
وحاصلها : هو انّ الضرورة تكون بلحاظ الإدراك نفسه ، بمعنى انّ الإدراك ضروري ، ومعنى أنّه ضروري ، يعني أنّ الإدراك ناشئ من حاق القوّة العاقلة ، لا من أسباب غير عقلائية ، فكل قضيّة كانت ناشئة من حاق القوّة العاقلة الّتي أودعها الله تعالى في الإنسان ، تكون قضية ضرورية مضمونة الحقّانيّة ، وكل قضية لم يكن إدراكها ناشئا من حاق القوّة العاقلة ، بل كانت بسبب مؤثرات غير عقلائية ، «كالغضب والشهوة» وغيرهما ، تكون قضية غير ضرورية قد يحصل الجزم بها ، ولكنّها غير مضمونة الحقّانيّة.
وحينئذ ، على ضوء هذا قد يقال : إنّ قضية حسن العدل ، وقبح الظلم ليستا قضيتين ضروريتين ، لأنّهما ليستا ناشئتين من حاق القوّة العاقلة ، وإنّما هما ناشئتان من أسباب أخرى ، وقد حصرت القضايا الّتي يكون إدراكها من حاق القوّة العاقلة في القضايا الست ، وقضية حسن العدل ، وقبح الظلم ليستا منها ، وهذا المطلب يمكن أن يبين ببيانين.
١ ـ البيان الأول : هو أن يقال : بأنّ قضية حسن العدل وقبح الظلم لم ينشأ من حاق القوّة العاقلة ، أو على الأقل ، لا يمكن التسليم القطعي بذلك ، لأنّه من المحتمل أن يكون التصديق بذلك نتيجة التأديب الاجتماعي العقلائي ، حيث أنّهم أدركوا انّ المصالح العامّة تتوقف على هذه القضايا ، فلقّنوا هذه القضايا جيلا بعد جيل ، فكأنّ الإنسان كان