يلقّن الجزم بذلك بسبب التلقين والزمن ، وليس هذا ناشئا من حاق العقل ، ولهذا قال ابن سينا مقالته المتقدّمة.
وهذا البيان حينما يصدر من أولئك المناطقة ، فمن السهل الرد عليهم ، باعتبار أنّ هؤلاء أمثال ابن سينا ، هم يسلمون بوجود إدراك تصديقي جازم لقضايا الحسن والقبح ، لكنّهم ينفون ضمان الحقّانية.
وحينئذ نقول لهم : بأنّه لو كان احتمال نشوء هذا الإدراك التصديقي الجازم بسبب مجرد التلقين والتأديب جدّيا في نفوسكم ، إذن ، لزال هذا التصديق من نفوسكم ، إذ كيف يمكن أن تكونوا بالفعل مصدّقين بقضايا الحسن والقبح تصديقا جازما ، ومع هذا تصنّفون الحسن والقبح من صنف القضايا الجزميّة المستعملة في صناعة الجدل ، ومع هذا تحتملون أن يكون هذا الإدراك مستندا للتلقين ، إذ أنّ احتمال هذا ، مع الاعتراف بفعليّة التصديق لا يجتمعان ، وحينئذ ، فإمّا أن تعترفوا بأنّ الوجدان قاض بأنّ هذا التصديق لم يكن متأثرا بالتلقين والتأديب ، وبهذا تتعاملوا مع هذه القضية بوصفها قضية مدركة بحاق القوّة العاقلة ، وإمّا أن تكونوا كالمناطقة المحدّثين الّذين رفعوا يدهم عن التصديق الجازم بهذه القضية وقالوا : بأنّ الحسن والقبح يتأثران بأوضاع النّاس وعاداتهم ، كما سوف يأتي من أدلتهم ، إذن لا بدّ من أحد هذين الموقفين ، وعليه فهذا البيان غير تام.
٢ ـ البيان الثاني : هو أن يقال : إنّ قضيّة حسن العدل ، وقبح الظلم ليستا من القضايا التجريبيّة ، والحدسيّة ، والحسيّة ، والمتواترات ، والفطريّات ، والأوليّات ، لأنّ الأوليات عبارة عن القضايا الّتي يكون تصور الموضوع وتصور المحمول فيها كافيا لإدراك النسبة بينهما من قبيل ، «الكل أكبر من الجزء» ، ولأنّ الفطريات عبارة عن قضايا قياساتها معها ، أي أنّ برهان ثبوت المحمول للموضوع مستبطن في ذلك الموضوع كما