في قولنا : «الأربعة زوج» ، لأنّها قابلة للانقسام إلى زوجين متساويين ، فهذا البرهان مستبطن في نفس «الأربعة» ، وهنا قضيّة «العدل حسن» ، و «الظلم قبيح» ليس من القضايا الفطرية ، إذ ليس هناك برهان على الحسن والقبح مستبطن في «العدل والظلم» ، أي في «الموضوع».
فإن كانت هذه قضية ضرورية ناشئة من حاق العقل ، فيقتضي البرهان أن تكون قضية أولية ، وحينئذ يجب أن لا يختلف فيها النّاس ، مع أنّ النّاس يختلفون هنا ، فما يراه جماعة قبيحا ، يراه آخرون حسنا ، وليس مجرد تصور الموضوع والمحمول فيها كافيا للتصديق بالنسبة كما هو الحال في القضايا الأولية ، إذ لو كان الأمر كذلك فيها لما اختلف النّاس أصلا ، مع أنّهم يختلفون كما عرفت ، فهذا يثبت انّ هذه القضية ليست أولية ، وحينئذ ، إذا لم تكن من القضايا الضرورية ، إذن فهي ليست من القضايا المضمونة الحقّانيّة.
وهذا الكلام باطل كبرى وصغرى.
أمّا بطلانه كبرويا فهو أن يقال : إنّ القضية الأولية الّتي ينبع إدراكها من حاق القوّة العاقلة لا يلزم فيها أن تكون القوّة العاقلة عند جميع النّاس قادرة على إدراكها ، بل يمكن فرضها قضيّة أولية ، ولكن القوّة العاقلة ببعض مراتبها تكون صالحة لإدراكها دون بعض المراتب ، ونشبّه القوّة العاقلة بالإحساس البصري ، فكل النّاس عندهم إحساس بصري ، ووجود الهلال في الأفق قضية حسيّة أولية فيدركها الحس مباشرة ، لكن ليس بالضرورة ، إذ يمكن أن يفرض انّ إحساس زيد البصري ضعيف ولا يمكنه أن يدرك الهلال الّذي يدركه كل من كان له حسّ سوي ، لأنّ الإدراك الحسي له مراتب من حيث القوّة والضعف ، والقوّة العاقلة بحسب قانون الحركة الجوهرية. لها قوّة وضعف ، إذن فنفس هذا نقوله في القوّة العاقلة ، إذ أنّ هناك بعض القضايا لا حد