أوسط فيها بين الموضوع والمحمول الّذي هو معنى كون القضية أولية ، لكن مع هذا فإنّ بعض النّاس والنّفوس العاقلة في بعض مراتبها لا تدرك ثبوت هذا المحمول للموضوع ، هذا مضافا إلى انّ إدراك هذه القضايا ، وهي قضايا الحسن والقبح حيث أنّه يمسّ في كثير من الأحيان جوانب عاطفية وشخصية للإنسان المدرك من مصالح وعواطف ، ولهذا قد يفترض أنّ قوّته العاقلة تدرك هذا ، لكن تغلبه العاطفة وجوانبه الأخرى فتغطي عليه كثيرا من المدركات وتجعلها في معرض التشكيك فيها والتكذيب لها ، وهذا هو فرق قضايا العقل العملي عن قضايا العقل النظري البحتة كالكل أكبر من الجزء ، حيث لا يكون الاختلاف فيها اختلافا موضوعيا ، لأنّها غالبا لا تماس فيها بينها وبين المصالح والعواطف ، فلا تتأثر بها ، بخلاف قضايا الحسن والقبح ، وعليه فالكبرى ، وهي أنّ مجرد وقوع الخلاف في ثبوت محمول لموضوع ، لا يعني انّ القضية ليست أولية ، لأنّ هذا الاختلاف قد ينشأ من قصور المقتضي وقد ينشأ من وجود المائع.
وأمّا بطلانه صغرويا ، فهو أن يقال : بأنّنا ندّعي أنّه لا خلاف بين العقلاء في كبريات ومقتضيات العقل العملي كالحسن والقبح ، وانّ «الكل أكبر من الجزء» ، وإنّما الخلاف الّذي يتراءى خارجا ، إنّما هو خلاف في صغرياتها أو في حالات التزاحم بين مقتضيات العقل العملي ، وإلّا فأصل مقتضياته بدون فرض التزاحم ليس فيها خلاف ، إذ كون الإحسان للفقير شيئا حسنا لا يمكن أن ينكره إنسان عمليا ، وكون الإسراف شيء قبيح في نفسه أمر لا يمكن إنكاره من قبل إنسان ، وإنّما الخلاف هو في موارد التزاحم بين الإحسان والإسراف ، بين قيمتين أخلاقيتين وإعمال التزاحم بينهما.
وبهذا يثبت أنّ قضية الحسن والقبح قضية ضرورية ، كما يثبت أيضا