على ضوء ما تقدّم في مسلكنا ، قبح الفعل المتجرّى به بناء على أنّ الحسن والقبح أمرين واقعيّين يدركهما العقل ، ولا يختلف الحال فيه بين المسلكين ، أي بين أن تكون قضايا العقل العملي وإدراكاته مضمونة الحقّانيّة أم لا ، فإنّ ضمان الحقّانيّة وعدمه لا يؤثر على واقع هذا الإدراك وعلى كون الحسن والقبح من القضايا الواقعية ما دام هي قضايا مصدقة.
نعم لو قيل بالفرضيّة الأولى في تفسير مسلك الفلاسفة ، من أنّ الحسن والقبح حكمين وقضيتين مجعولتين من قبل العقلاء ، فالأمر حينئذ يحتاج إلى استئناف بحث جديد في مقدار ما هو المجعول ، وفي أنّه مجعول مخصوص بموارد المعصية ، بحيث لا تعمّ التجري ، وفي أنّ العقلاء هل يحكمون بقبح خصوص المعصية أو بالجامع بين المعصية والتجرى لأنّ الجعل بيد الجاعل توسيعا وتضييقا؟.
هذا تمام الكلام في طريقة إثبات قبح التجرّي عقلا ، وسوف يأتي بيان مقدار ما هو المجعول من قبل العقلاء عند الكلام عن حرمة التجرّي شرعا ، ـ بناء على كون الحسن والقبح من الأحكام المجعولة من قبل العقلاء ـ.
ثمّ إنّ الأصحاب حاولوا إقامة براهين على عدم قبح الفعل المتجرّى به ، نستعرض أهمّها مع مناقشتها ودفعها.
البرهان الأول : هو ما أفاده المحقّق الخراساني «قده» (١) في حاشيته على الرّسائل ، حيث ذكر ، انّ الفعل المتجرّى به ، قد يقال : باستحالة اتصافه بالقبح ، لأنّ الحسن والقبح إنّما يتصف بهما الفعل بتوسط العناوين الاختيارية الّتي تكون مصبّا لإرادة الإنسان وشوقه المؤكد المستتبع لتحريك العضلات ، أمّا العناوين غير الاختيارية الّتي تنطبق على
__________________
(١) درر الفوائد في شرح الفرائد : الخراساني ، ص ١٣.