لكن الصيغة الثانية منطبقة ، لأنّ هذا الفعل منشؤه هو الإرادة ، وهو يكفي في الاختياريّة.
وهنا في مورد التجري ، تعلقت إرادة هذا الإنسان بشرب الخمر ، فتشخّص انّ هذا الخل خمر فشربه ، فهنا ، لو لاحظنا الصيغة الأولى ، فهو لم يصدر منه فعل ذو عنوان اختياري لما مرّ معنا ، لكن لو لاحظنا الصيغة الثانية ، فهذا الفعل منه اختياري ، لأنّه بعد تشخيص انّه خمر ولو خطأ ، فالّذي حرّكه نحوه هو الإرادة ، إذن فهذا الفعل نشأ عن الإرادة ، وهذا يكفي في اختياريته.
والحاصل هو ، انّ هذا الفرد الخارجي قد صدر منه باختياره بعد أن طبّق مراده عليه وشخّصه فيه ، إذن ، فتحركه نحو إيجاد ذلك الفرد المشخّص بإرادته واختياره اختياري ، سواء أخطأ في تشخيصه ، أو كان تشخيصه مطابقا للواقع.
وبهذا ، نكون في الصيغة الثانية قد وفّقنا بين وجداننا وبينها.
٤ ـ البرهان الرابع : لصاحب الكفاية «قده» (١) نذكره مع شيء من التنقيح ، وحاصله هو ، انّ هذا المتجري لو فرض أنّه رأى شخصا يغرق ، فتخيّله عدوا للمولى ، لكن تجرّى وأنقذه ، فتبيّن أنّه ابن المولى ، ففي مثل ذلك ، هل يقال : بانّ هذا الإنقاذ أمر محبوب أم لا؟ فإن قيل انّه ليس بمحبوب للمولى ، فهذا خلاف الوجدان ، وإن قيل انّه محبوب للمولى ، فحينئذ لو التزم بقبح الفعل المتجرّى به مع كونه محبوبا للمولى لزم اجتماع الضدين ، وهو مستحيل.
وهذا الوجه يتضح جوابه ممّا ذكرناه سابقا ، فانّ هذا خلط بين باب الحسن والقبح وبين باب المصالح والمفاسد ، وعلى كلّ ، فنحن
__________________
(١) كفاية الأصول : الخراساني ، ج ١ ، ص ٢٦١ ، ٢٦٢.