وكلا الكلامين ، البرهان مع ردّه ، تلفيق من الكلام ، مبني على تخيّل أنّ القبح على نحوين ، فاعلي وفعلي ، والفعلي معناه : حصة قائمة بالفعل بذاته وبقطع النظر عن إضافة إلى فاعله ، وهذا مبني على خلط بين الحسن والقبح ، وباب المصالح والمفاسد.
وقد بيّنا سابقا ، انّ باب الحسن والقبح إذا نحن أرجعناهما إلى المصالح أمكننا أن نتعقل قبحان ، قبحا في الفعل بذاته ، وقبحا من حيث انتسابه إلى الفاعل ، فنسمي الأول فعليا ، والثاني فاعليا.
لكن بعد أن بيّنا انّ الحسن والقبح بابهما باب مستقل ، فحينئذ ، دائما يكون معروض الحسن والقبح هو الفعل بما هو مضاف إلى صاحبه وفاعله ، وحينئذ ، فلا قبح فعلي مستقل عن فاعله الفاعلي ليتأتّى مثل هذا الكلام.
٣ ـ البرهان الثالث : وهو ما ذكره في الرّسائل الشيخ الأعظم «قده» (١) حيث يقال : انّه لو اختصّ استحقاق العقاب بالعاصي ، للزم إناطة الاستحقاق بأمر غير اختياري ، وهذا مستحيل.
وإن شئت قلت : لو كان عدم استحقاق المتجرّى للعقاب عدم إصابته للواقع ، كان معنى استحقاق العقاب للعاصي هو ، إصابة قطعه للواقع ، وحينئذ لا يكون فرق بين العاصي والمتجري ، وتكون الإصابة وعدمها أمرا غير اختياري ، وحينئذ ، فكيف يمكن أن تناط به العقوبة.
وقد أجيب عن هذا البرهان في الرّسائل (٢) بما يرجع حاصله : إلى التفكيك بين المقتضي لاستحقاق العقاب ، وبين المانع عن تأثير هذا
__________________
(١) فرائد الأصول : الأنصاري ، ص ٥ ، ٦.
فوائد الأصول : الكاظمي ، ج ٢ ، ص ٣٨.
(٢) المصدر السابق.