وعلى أيّ حال ، ستبقى قابلية المورد محفوظة ، وإن كنّا لا نسلّم بكبرى هذه القاعدة.
ثمّ انّه بمناسبة المقام لا بأس بالكلام عن قاعدة موروثة ذكرها الشيرازي الكبير «قده» (١) في باب الملازمة بين حكم العقل بالقبح ، وحكم الشارع بالحرمة.
وحاصلها : هو أنّ حكم العقل بالحسن والقبح على قسمين.
١ ـ القسم الأول : هو ما يستلزم الحكم الشرعي.
٢ ـ القسم الثاني : هو ما لا يستلزم الحكم الشرعي.
وميزان الفرق بين القسمين هو ، انّ الحسن والقبح ، إن كانا واقعين في سلسلة معلولات الأحكام الشرعية ، كقبح المعصية ، وقبح التجري الواقعين في طول الحكم الشرعي ، فمثل هذا لا يستتبع حكما شرعيا ، وأمّا ما لا يكون واقعا كذلك ، بل كان واقعا في سلسلة علل الأحكام الشرعية ، كقبح الغصب ، والخيانة ، فمثل هذا يستلزم حكما شرعيا.
وحينئذ ، عند تطبيق هذه القاعدة على التجري ، نرى أنّ قبح التجري من القسم الّذي لا يستلزم حكما شرعيا ، لأنّ قبحه واقع في سلسلة معلولات الأحكام الشرعية ، لأنّ قبح التجري على شرب الخمر هو فرع حرمة شرب الخمر ، إذن فلا ملازمة ، إذ لو لم يكن شرب الخمر حراما ومنجزا لما قبح شرب مقطوع الخمريّة.
وقد اتضح بطلان هذه القاعدة بهذا التفصيل ممّا ذكرناه سابقا ، حيث أنّ المحل لا يكون قابلا لجعل الحكم الشرعي فيما إذا كان القبح واقعا في سلسلة معلولات الأحكام الشرعية.
__________________
(١) تقريرات المجدد الشيرازي : للروزدري المتوفى حدود سنة ١٢٩٠ ه ، ج ٣ ، ص ٢٧٧.