وهذا الاستدلال غير تام ، حتّى لو فرض أنّ هذه الرّوايات تامة سندا ودلالة على استحقاق العقاب ولم يكن لها معارض من الرّوايات الدالة على نفي العقاب على النية والقصد ما لم ترتكب المعصية ، فلو سلّم كل ذلك ، فمع هذا الرّوايات المذكورة لا يمكن أن تكون دليلا على حرمة التجري شرعا ، إذ بعد الفراغ عن صحة سندها ودلالتها على استحقاق العقاب فغاية ما تدلّ عليه هو ، أنّ المتجري يستحقّ العقاب ، واستحقاق العقاب لا يلازم الحرمة باعتبار ما ذكرنا سابقا من أنّ استحقاق العقاب ثابت بحكم العقل بقطع النظر عن جعل الحرمة للتجري ، وهذا الثبوت باعتبار أنّ التجري هتك وظلم للمولى ، وانّ كشف في غير هذا المقام ، كما لو ورد أنّ «شرب الخمر» يدخل النّار ، فهذا يكشف عن الحرمة ، لأنّه لولاها لا منشأ لدخول النّار ، وهذا غير المقام ، وعليه فهذا المسلك غير تام.
نعم هناك بحث في الرّوايات الواردة في ترتب العقاب على النية إثباتا أو نفيا أو تفصيلا ، إلّا أنّه بحث ، الدخول فيه يخرجنا عن الأصول.
وإن شئت قلت : إنّه قد يستدل على حرمة التجري بالرّوايات الدالة على عقاب المتجري بقصد المعصية أو الساعي إليها ، وإن لم يتحقّق قصده خارجا ، ولكن من المحتمل قويا أن يكون ظاهر ذلك التجري في الشبهة الموضوعية ، بأن تكون أصل كبرى حرمة الفعل ثابتة ، ولكن المكلّف يقصد تحقيق صغراها خارجا فلم يتحقّق قصده ، وذلك كالنبوي ـ إذا التقى المسلمان بسيفهما على غير سنّة ، فالقاتل والمقتول كلاهما في النّار ، قيل هذا القاتل ، فما بال المقتول؟ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّه أراد قتل صاحبه (١) ـ حيث يدلّ على استحقاق العقاب لأنّه قصد المعصية.
__________________
(١) وسائل الحر العاملي : ج ١١ ، باب ٦٧ ، ص ١١٣.