ولو فرض أنّه تنزلنا وقلنا بأخذ نفس اليقين موضوعا للاستصحاب ، فلا إشكال أيضا ، بناء على قيام الإمارة مقام القطع الموضوعي واليقين السابق ، فإنّ يقين المجتهد بثبوت الحكم في الحالة السابقة ، هو بنفسه يكون دليلا وعلما تعبّديا للعامي في إثبات الحالة السابقة ، فيكون الرّجوع إليه في هذه المسألة محقّقا لموضوع الاستصحاب في المسألة اللاحقة.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في مقام الجواب عن دعوى اختصاص الأحكام الظّاهرية بالمجتهد.
إلّا أنّه مع ذلك ، فهذه الأجوبة الثلاثة لا تكفي في تصحيح الإفتاء في بعض الموارد إلّا إذا ضمّ إليها الجواب الثاني الّذي ذكرناه في المقام الأول.
وتوضيح ذلك هو ، انّ المجتهد حين الإفتاء ، تارة يفتي بشيء يكون علمه طريقا إليه ، سواء أكان ما أفتى به حكما واقعيا «كحرمة شرب الخمر» ، أو ظاهريا «كحرمة العصير العنبي إذا غلى» ، فإنّ إفتاءه بذلك إنّما هو لصحيحة زرارة ، فهي الحجّة في المقام ، وعلمه طريق إلى هذه الحجّة ، وهذا الإشكال فيه.
وأخرى يفتي بحكم ، ويكون هذا الحكم في طول علمه ، لا أنّ علمه كاشف عنه ، كما في موارد العلم الإجمالي ، فإنّ الفقيه يفتي بأصالة الاشتغال باعتبار منجزيّة العلم الإجمالي ، فحكمه بأصالة الاشتغال في طول علمه ، لا أنّ هذا الحكم منكشف بعلمه.
وحينئذ يقال : إنّ الإفتاء بأصالة الاشتغال في طول حجيّة هذا العلم ، وهذا العلم هو حجّة في حق نفسه فقط دون العامي ، إلّا إذا تعيّن على العامي تقليده ، ومن هنا لا ينحل الإشكال إلّا بواسطة التقليدين الطوليّين كما عرفت في الجواب الثاني الّذي ذكر في المقام الأول ، فإذا ضمّ ذلك الجواب الثاني إلى أحد هذه الأجوبة الثلاثة يندفع هذا الإشكال.