١ ـ الدعوى الأولى : هي أنّ المعارف الّتي ينتهي إليها التسلسل في مقام الاستدلال كلها مضمونة الحقّانيّة.
٢ ـ الدعوى الثانية : هي دعوى أنّ المعارف الثانوية هي أيضا مضمونة الحقّانيّة لأنّها تستنتج من المعارف الأولية باعتبار التلازم والتضمن بينها وبين المعارف الأولية الّتي استنتجت منها ، بمعنى : انّ المعقول من المعرفة الأوليّة يتضمن أو يستلزم المعقول من المعرفة الثانوية ، وهذا ما نسميه بالتوالد الموضوعي ، بمعنى أنّ المعلومات الأولية تولّد المعلومات الثانوية باعتبار التلازم بينهما ، فإذا تمّت كلتا الدعويين يثبت المطلوب ، وهو أنّ ما استنتج من المعارف الأولية بطريق صحيح يكون مضمون الحقّانيّة.
ونحن لنا تعليق على كل واحدة من هاتين الدعويين.
أمّا تعليقنا على الدعوى الأولى : فهو ، إنّا نرى أنّ المعلومات والقضايا الّتي يدركها العقل إدراكا أوليا مباشرا ـ أي من غير أن يبرهن عليها ـ لا يلزم أن تكون يقينية ، ولا مضمونة الحقّانيّة ، بل قد تكون مشكوكة ، أو مظنونة ، أو مقطوعة قطعا خاطئا ، بينما المعروف بينهم أنّ كل القضايا الأولية الّتي هي أساس المعرفة ، يجب أن تكون يقينية وحقّانية ، بينما هذا لا موجب له كما عرفت. ومن ذلك ينشأ شيوع الأخطاء في العلوم النظرية ، فإنّ كثيرا من هذه الأخطاء في هذه العلوم لم ينشأ من خطأ في الاستدلال ، بل نشأ من الخطأ في الأصول الموضوعية للاستدلال ، أي من طرح فكرة ادّعيت أوّليتها وحقّانيتها ، وهي غير مطابقة للواقع ، كما هو ديدنهم في البناء على حقّانية كل قضية أولية. وهذه الكلية لا نسلّمها إذ كون الفكرة أولية يدركها العقل مباشرة دون حاجة إلى استدلال شيء ، وكونها يقينية حقّانية شيء آخر ، وأحدهما لا يستلزم الآخر ، فمثلا : نحن قلنا انّ إدراك الإنسان لمحسوساته