وكأنّ المعلقين الأصوليين على هذه الشبهة ، أرادوا الجواب عنها ، سواء كانت شبهة للتشكيك الإثباتي ، أو الثبوتي ، وذلك ببيان : أنّه لا اختلاف في كبرى العقل العملي أصلا ، وإنّما الاختلاف في تشخيص الصغرى والمصداق ، لأنّ كبرى العقل العملي ، مرجعها إلى قضيتين كليتين ، وهما حسن العدل ، وقبح الظلم ، وهاتان القضيتان لا اختلاف فيهما بين العقلاء في مختلف المجتمعات والأعراف ، وكل الاختلاف الّذي يقع بينهم إنّما يقع في تشخيص الصغرى ، حيث انّ بعضهم يقول : انّ هذا العمل ظلم ، ويقول البعض الآخر ، انّ هذا العمل ليس ظلما ، ومن ثمّ يدرجه كل منهما في قضية من تينك القضيتين ، وهذا لا يضرّ في حقّانية الكبرى والعقل العملي المدرك لها.
وهذا الكلام بهذا البيان صوري ، لأنّ هؤلاء الأعلام جعلوا من هاتين القضيتين ـ «قبح الظلم ، وحسن العدل» ـ كبرى كلية للعقل العملي ، وجعلوا تمام القضايا الأخرى تطبيقا لهذه الكبرى ، فكأنّ العقل العملي أوّل ما يحكم ، يحكم بقبح الظلم ، ثمّ يطبّق قياسا من الشكل الأول ، فيقول : هذا ظلم ، وكل ظلم قبيح ، فهذا قبيح ، والخطأ هنا في هذا القياس ، يكون في اختيار الحد الأوسط المناسب الّذي جعلوه واسطة في إثبات الأكبر للأصغر.
ونحن قد حلّلنا هذه القضية ، وقلنا في بحث التجرّي ، انّ قضية «الظلم قبيح» ، ليست قضية أوليّة من مدركات العقل العملي ، بل ولا يعقل كونها كذلك ، وإنّما هي قضية ضرورية بشرط المحمول ، وذلك لأنّ قولنا : «الظلم قبيح» ، من قبيل قولنا ، «القبيح قبيح» ، باعتبار انّ معنى الظلم ، «العدوان ، والتعدّي» ومعنى التعدّي هو ، الخروج عن الحدّ ، والحدّ هو ذلك الضابط الّذي يدركه العقل ، ويرى أنّه لا ينبغي للإنسان أن يتعدّاه ، لا أنّه لا يمكن تعدّيه تكوينا ، إذن ، مفهوم «لا