الطائفة الّتي تحثّ على العمل بالعقل ، وذلك لأنّ روايات حرمة العمل بالرأي مطلقة ، تشمل العقل النظري البرهاني والعقل الفطري بينما الرّوايات الّتي تحثّ على العمل بالعقل ، فإنّ المقصود بها هو العقل الفطري الخالي من شوائب الأوهام ، وبهذا تكون مخصصة لتلك الرّوايات ، ومعه تبقى دالة على حرمة العمل بالعقل النظري.
لكن قد يقال : انّ هذه الرّوايات إذا لوحظت من ناحية أخرى ، وجدنا أعميّة في عنوان «الرأي» بحيث أنّها تشمل الرأي الظنّي والرأي القطعي ، بينما روايات الحثّ على العمل بالعقل ، لا تقتضي حجيّة الرأي الظنّي ، وإنّما هي في مقام إمضاء العقل على طبقه ، إذ من الواضح أنّ العقل لو خلّي وطبعه لأدرك بنفسه عدم حجيّة الظن ، إذن فالنسبة بينهما عموم من وجه أيضا ، إذ أنّ روايات النهي عن العمل بالرأي أخصّ ، لعدم شمولها الفطريات ، لكنّها أعمّ لشمولها الظنون العقلية ، ومع كون النسبة بينهما العموم من وجه ، إذن ، تتعارض الطائفتان ثمّ تتساقطان في مادة الاجتماع ، وكل هذا لو فرض صحة هذه الطائفة.
إلّا أنّه عند مراجعة هذه الرّوايات ـ روايات الحثّ على العمل بالعقل ـ يتضح عدم تماميتها سندا أو دلالة ، فالمهم ، التعويل على الطائفة الأولى الدالة على براءة ذمّة العالم إذا عمل بعلمه (١) ، حيث أنّها وافية بالغرض مع كونها طرفا للمعارضة بنحو العموم من وجه مع تلك الطائفة الّتي احتجّ بها الأخباريون من النهي عن العمل بالرأي بالنحو الّذي بيّناه ، وبعد التساقط لو سلّم التساقط لا يبقى دليل على الردع ـ مدّعى الأخباري ـ لا بالوجه المنقول عنهم ، ولا بغيره.
والحاصل هو أنّ الأهم هو ، إيقاع المعارضة بين أخبار الرأي ،
__________________
(١) أصول الكافي : الكليني ، باب استعمال العلم ، ص ٤٤ ـ ٤٥.