ورابعاً : إنّه يستلزم الدور إذ الحسن موقوف على موضوعه وهو الاحتياط وهو موقوف على الأمر المتوقف على الحسن ، فيلزم حينئذ توقف الشيء على نفسه فلا يكون الحسن من مقدمات تحقّق الاحتياط. فكيف يقطع بالحسن حتى يستكشف به لمّا تحقّق الأمر المحقّق للاحتياط؟
وقد أشار المحقّق الخوئي (قدسسره) إلى هذا الإيراد بقوله :
«إنّ حكم العقل بحسن الاحتياط لا يثبت موضوعه وإمكان الاحتياط ، فانّ حكم العقل والشرع جاريان على نحو القضايا الحقيقية وبيان الكبرى فقط ، ولا تعرض لهما لبيان الصغرى وتحقق الموضوع خارجاً» (١).
هذا ولكن يمكن أن يقال في دفع الدور : إنّ الحسن يكون موقوفاً على موضوعه ، أعني : الاحتياط بحسب مقام الثبوت ، وأمّا الاحتياط فهو موقوف على وجود الأمر بحسب مقام الإثبات ضرورة أنّ الحسن أمر حقيقي يمكن أن يكون علة تامة عند الشارع للأمر ، وأمّا الاحتياط فهو أمر يرتبط بالمكلّف ، يتحقق فيما إذا أحرز أصل الرجحان كما لا يخفى.
وخامساً : أنّ هذا الجواب خروج عن محل البحث إذ حينئذ تصير العبادة يقينية كسائر العبادات المعلوم توجه الأمر بها مع أنّ مورد النزاع هو ما إذا شك في وجود الأمر كما لا يخفى (٢).
ولكن لقائل أن يقول : فرق واضح بين تعلق الأمر بالعمل بالوجدان كتعلّقه بالصلاة والصيام وبين تعلقه به بنحو الاستكشاف كما في المقام فانّه من قبيل الشيء الحكمي والتنزيلي ، ومن الواضح أنّه لا يوجب صيرورة العمل عبادة يقينية واقعاً غاية الأمر أنّه يوجبها حكماً وتنزيلاً.
__________________
(١) مصباح الأُصول : ٢ / ٣١٥.
(٢) لاحظ تعليقات المحقّق المشكيني (قدسسره) على الكفاية : ٢ / ١٩٤.