الفعل المذكور دائراً في وقت من الأوقات بين الإباحة والاستحباب ولا بين الكراهة والاستحباب بل هو دائماً دائر بين الحرمة والاستحباب فتاركه متيقّن للسلامة وفاعله متعرّض للندامة.
على أنّ قولنا : «بدورانه بين الحرمة والاستحباب» ، إنّما هو على سبيل المماشاة وإرخاء العناء وإلّا فالقول بالحرمة من غير ترديد ليس عن السداد ببعيد والتأمل الصادق على ذلك شهيد» (١).
وإلى هذا الإشكال ينظر ما أفاده صاحب المدارك في أوّل كتابه فإنّه قال بعد ذكر جملة من الوضوءات المستحبة وذكر ضعف مستندها ما لفظه :
«وما يقال من أنّ أدلّة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها ، فمنظور فيه لأن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الشرعي» (٢).
وقد يقال في الجواب : إنّ التشريع عبارة عن إدخال ما حكم بخروجه عن الدين فيه ، وفي المقام لم يعلم خروج المشكوك عن الدين حتى يلزم التشريع.
وقد التزم بعضهم بتحقق احتمال التشريع في المقام إلّا أنّ هذا الاحتمال غير ضار بالمطلوب ، أعني : الحكم بالاستحباب لوجود الدليل ، قال :
«كلّ ما لم يثبت كونه من الدين فإدخاله في الدين تشريع محرّم بالنص والاجماع وهو في جميع صور الشك متحقق ، إذ الشك في أحد الأحكام الأربعة يوجب نفيها بالأصل فيخرج عن الدين ، فالأخذ بأحدها تشريع لو لم يكن دليل على جواز الأخذ مع الشك ، وبالجملة : احتمال الحرمة التشريعية في موارد القاعدة [قاعدة التسامح] كافة متحقق» (٣).
__________________
(١) الأربعين للشيخ البهائي : ١٩٧.
(٢) مدارك الأحكام : ١ / ١٣.
(٣) عناوين الأُصول : ١٣٤.