كان غالب سكان الجزيرة أميّين لا يقرأون ولا يكتبون ، إذ لم يدعوا أبناءهم لتعلّم العلم والكتابة ، وإن كانوا يعلمون بشرفهما ، حتّى أنّهم عدّوا الرجل الكامل في الجاهلية من كان يعرف الكتابة ويحسن العوم والرّمي (١) ، وجاء وصفهم في الكتاب العزيز بقوله : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ) ، وقوله تعالى : ( وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ ) وجاء عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : ( إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسن الشّهر هكذا ) (٢) :
إنّ الإشارة إلى الحالة الاجتماعية والثقافية في الجزيرة العربية قبل الإسلام جاءت لتوضيح عظمة الإسلام ، وكيف أنّه جعل من هذه الأمّة ـ خلال ربع قرن ـ أمّة تقود العالم وتحطّم أكبر دولتين آنذاك ، وتحكّم لغتها على البشرية.
ومن الشّطط في القول ، القول بأنّ كلّ العرب كانوا فصحاء بلغاء يعرفون لغتهم ، بل لو تأنّيت وتدبّرت في تاريخهم لعرفت مؤثّرات تلك الحضارات على اللغة العربية.
لقد كان بين الصحابة من يسأل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن غريب كلامه ومعنى أقواله ، وهذا يعني عدم معرفتهم بكثير من المفردات اللغوية والاشتقاق العربي ، حتّى جاء عن عمر أنّه سأل الصحابة عن معنى التخوّف في قوله تعالى ( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ ) فسكتوا ، فقام شيخ من هذيل ، فقال : هذه لغتنا ، التخوف : التنقص.
قال عمر : فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟
قال : نعم. قال شاعرنا زهير.
__________________
(١) مصادر الشعر الجاهلي : ٥٢ ، القصد والأمم : ٢٢ كما في الدراسات للاعظمي.
(٢) صحيح البخاري ٣ : ٣٥ و ٤ : ١٠١ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٦١ ح ١٥.