إبراهيم ( رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ) (١) ولم يكن فيها حتّى نهر واحد (٢) بل كان اعتماد الساكنين فيها على الأمطار والآبار الّتي تمتلي شتاء وتجفّ صيفا ، وهذا الجفاف واليبس خلق عند سكانها حالة التنقّل بحثا عن الكلأ والماء ، فهم يجوبون البوادي بحثا عنهما ، وهذه الظروف جعلت العربي لا يستقرّ حتّى يبدع في مجالات الزراعة والصناعات اليدوية إلاّ نادرا ، ولذا اعتمدوا على التجارة ، خصوصا قريش ـ التي هي رأس القبائل العربية في الجزيرة ـ وقد وصف سبحانه اشتغالهم التجارة بقوله ( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ ) (٣).
وتظهر شدة الجفاف من خلال التنازع على شرف سقاية الحاج ، ممّا نستطيع لمسه بوضوح في قوله سبحانه : ( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ).
وهذه البيئة الجغرافية والظروف الاجتماعية هي الّتي جعلت الجزيرة العربية بمأمن عن مطامع الدولتين العظميين آنذاك ( الروم والفرس ) كما جعلت هذه الأرض أرضا آمنة يلجأ إليها أعداء الروم والفرس.
فقد هاجر إليها أوّلا يهود فلسطين ، فسكنوا يثرب ، وهاجرت بعدهم قبائل الاوس والخزرج من اليمن فسكنوا فدك وتيماء ، كل ذلك مضافا إلى الأعاجم الوافدين من الفرس واليونان.
هذا ، وإنّ العرب لم يكونوا في تلك البرهة من التاريخ ذوي تراث وحضارة ، بل
__________________
(١) إبراهيم : ٣٧.
(٢) انظر المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، لجواد علي ١ : ١٥٧.
(٣) قريش : ٢.