الشدياق :
|
وأغرب من ذلك اقتصار جميع أهل اللغة على قولهم « قدّس تقديسا » وما أحد منهم ذكر له فعلا ثلاثيا ، أو نبّه على عدم مجيئه مع أنّهم قالوا : إنّ القدس اسم ومصدر ، فكيف يكون مصدر من دون فعل؟! أو في الأقل من دون تنبيه عليه كما نبهوا على غيره ، ويقال أيضا : قدوس واسم الله الأقدس وبيت المقدس ، فكيف جاء النعت وأفعل التفضيل واسم المكان من غير اشتقاق؟! مع ان سيبويه قال أنّ الكلم كله مشتق (١). |
وهذا الكلام واضح ولا غبار عليه ، وهذه الإشكالية في المعاجم موجودة لا ينكرها إلاّ مكابر ، خصوصا وأنت ترى هذه الموارد ماثلة للعيان ، ولذلك كان السيّد حريصا على رفع هذه الإشكالية. فقال في مادة « قدس ».
« قدس في الأرض قدسا ، كضرب : ذهب فيها وأبعد ، ومنه التقديس بمعنى التطهير ؛ لأنّه إبعاد للمقدّس عن النجاسة ، والقدس ، كعنق ويسكن : الطهر والبركة.
وقدّس الله ، و [ قدّس ] له تقديسا نزّهه وأبعده عما لا يليق بجنابه ».
فذكر السيّد المدني الفعل الثلاثي « قدس » وذكر معناه في الاشتقاق الكبير ، بأنّه معنى الإبعاد ، ثم ذكر التفعيل منه أي التقديس ، وباقي المشتقات منه ، وهذه غاية البراعة والحذاقة والاستقصاء للأفعال ، ومحاولة عدم الإخلال بشيء منها.
وفي هذا المجال أيضا نرى ذكر السيّد المصنف للأفعال المنحوتة في أماكنها ، مع أنّ سائر المعاجم إمّا أن تذكرها في غير مظانها أو أن لا تذكرها أصلا.
__________________
(١) الجاسوس : ١٣.