لهجة قريش هي الفصحى ، لكنّ هذا الرأي بعيد عن الصحّة على إطلاقه ، لأنّ في لغة تميم ما هو أوفق للقياس من لغة قريش في بعض الحالات ، لكنّ القول بأنّ لغة تميم أوفق بالقياس في جميع الحالات بعيد جدّا وغير صحيح أيضا ، إذ المشهور الذي لا مراء فيه عند الجميع أنّ لغة قريش كانت أغزرها مادة ، وأرّقها أسلوبا ، أكثرها ثراء ، وقد ارتفعت قريش من الفصاحة عن عنعنة تميم ، وكشكشة ربيعة ، وكسكسة هوازن ، وتضجّع قيس وعجرفيّة ضبّة ، وتلتلة بهراء (١).
وقد أكّد الفراء صفاء لغة قريش بقوله : كانت العرب تحضر الموسم كلّ عام وتحج البيت في الجاهلية ، وقريش يسمعون لغات العرب ، فما استحسنوه من لغاتهم تكلّموا به ، فصاروا أفصح العرب ، وخلت لغتهم من مستبشع اللغات ومستقبح الألفاظ ، وقد كان الشاعر من غير قريش يتحاشى خصائص لهجته ويتجنّب صفاتها الخاصّة في بناء الكلمة وإخراج الحروف وتركيب الجملة ليتحدث إلى الناس بلغة ألفوها وتواضعوا عليها ، بعد أن أسهمت عوامل كثيرة في تهذيبها وصقلها.
وفي كتب اللغة إشارات إلى بعض المذموم من لهجات العرب ، ككشكشة ربيعة وقضاعة ، إذ هؤلاء يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شينا ، فيقولون : رأيتكش ، وبكش وعليكش.
والكسكسة هو أن يجعلون بعد الكاف أو مكانها سينا في المذكّر.
ومن ذلك الفحفحة في لغة هذيل ، حيث يجعلون الحاء عينا (٢).
__________________
(١) انظر الخصائص ٢ : ١١.
(٢) انظر المزهر ١ : ٢٢٢ ، مقدمة التاج : ٢٢.