وقال سهل : خلق الأشياء كلها بقدرته وزينها بعمله وأحكمها بحكمه ؛ فالناظر من الخلق إلى الخالق يتبين له من الخلق عجائب الخليقة ، والناظر من الخالق إلى الخلق يكشف له عن أثار قدرته وأنوار حكمته وبدائع صنعه.
وقال بعضهم : خلق السموات عالية على الأرضين مرتفعة عليها ، وجعل عمارة الأرضين من بركات السماء وما يصل إليه منه ، كذلك خلق النفوس وجعل القلوب أميرا عليها ، وجعل نجاة النفوس وراحتها فيما يصل إليها من بركات القلوب ؛ فمن طهر قلبه لاستطلاع المشاهدة أتته الفوائد ، والزوائد من الحق في جميع الأوقات.
(وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣))
قوله تعالى : (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) أخبر الحق عن كمال شرك إبليس حيث نسي الله نبعت إسقاط قدرة كل قادر غيرة في مقام المؤاخذة بقوله : (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) فسقوط النظر عن نفسه مع رؤية الغير في البيّن شرك ، ولو كان في مقام على حد تحقيق التوحيد ما لام أحد ولا نفسه وما رأي في البيّن غير الله.
ألا ترى إلى قول الواسطي : من لام نفسه فقد أشرك ، ومقام الملامة مقام المريدين لاموا أنفسهم بميلها إلى هواها ، وتكاسلها عن عبادة خالقها ، وذلك الملامة من طريق المعرفة والتوحيد ، وإفراد القدم عن الحدوث ؛ لأن هناك تسقط الوسائط وتندرس الرسوم ، وتنطمس طرق الأسباب.
قال محمد بن حامد : النفس محل كل لائمة فمن لم يلم نفسه على الدوام ورضي عنها في حال من الأحوال فقد أهلكها.
قوله تعالى : (تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) السلام اسم من ألطف أسمائه ، كأنه محل التثنية ؛ فأهل الجنة من العارفين يدعونه بهذا الاسم لوجدانهم مشاهدته بنعت العوافي من المجاب ، فإذا أرادوا تحية بعضهم على بعض فيشيرون بعضهم بعضا سلام ، أي هذا هو مشاهدة السلام ، كأنهم في مشاهدته ليشير بعضهم على بعض إلى جماله وجلاله ، وإذا حيوا بهذه التحية