فحيا الله بأحسن من تحيتهم بأنه حياهم بخطابه وسلمهم بكلامه ؛ فكل من رآه فإن الحق سبحانه يسلم عليه بالبديهة قبل ثنائه عليه بقوله سلام قولا من رب رحيم تجديد العهد الأول حين رأوه بالأرواح وسمعوا كلامه وسلامه بإذن الأسرار في ميثاق الأنوار ، وما أطيب هذا السلام من السلام لأهل السلام.
أشاروا بتسليم فمجّدنا بأنفس |
|
تسيل من الأفاق والسم أدمع |
وقال بعضهم : تحيات الجنة وسلامها على ضروبا ، فأهل الصفوة والقربة تحيتهم من ربهم وسلامتهم منه على قوله سلام قولا من رب رحيم ، ولأهل الطاعات والدرجات تحية الملائكة وسلامهم قال الله والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم.
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥))
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) أشار سبحانه إلى كلمة القديمة التي تكلم بها في اصطفائيته أهل معرفته طلبت كلمته ، وهي أطيب الطيبات باصطفائيته أهل الولاية ، وتلك الكلمة القديمة شجرة الصفات أصلها ثابت في القدم وفروعها في سماء البقاء ، وتلك الشجرة منزهة عن ثغائر الحدثان وعن التبديل بطوارق القهريات ، قال تعالى : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) مياه تلك الشجرة من بحار حسن العناية الأزلية والإرادة القديم ، تؤتي أكلها ثمرات تجليها بالأرواح المحبين والعارفين والموحدين كل حين تفيض فيض أنوارها على أفئدة الصديقين وعقول المقربين ؛ فأكل تلك الشجرة ثمرات تجلي جميع الصفات والذات تربي بها قلوب الأولياء والصديقين ، فثمرة مشاهدة الذات يورث لقلوب الموحدين التوحيد والتغريد والغناء والبقاء والصحو والمحو والحياة والوله ، وثمرات الصفات يورث لفكر العارفين على قدر تجليها ؛ فكل صفة يورث لها حقيقة من تلك الصفة ؛ فميراث صفة العظمة الهيبة والخواف والإجلال ، وميراث الكبرياء والبهتة والخجل والحياء ، وميراث الجلال الخشية والخضوع ، وميراث الجمال المحبة والشوق والعش ، وميراث العلم المعرفة بالعلوم اللدنية ، وميراث القدرة الكرامات ، وميراث نور السمع استماع أصوات هواتف الغيب ، وميراث نور البصر الفراسات الصادقة ورؤية الغيب وغيب الغيب ، وميراث نور الخطاب والكلام والاطلاع على الأسرار والوله والهيمان في الأنس والمناجاة ، وميراث الحياة وحياة القلب بالرب وحياة العقل بنور القلب وحياة الروح بروح الوصال ، وميراث رؤية القدم والبقاء الزفرات والعبرات والمواجيد