السبعة ، وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز ، وجودة الرّصف (١) ، ولم تقع الإباحة في قوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) [المزمل : ٢٠] بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات ، جعلها من تلقاء نفسه ، ولو كان هذا ، لذهب إعجاز القرآن ، وكان معرّضا أن يبدل هذا وهذا ؛ حتى يكون غير الذي نزل من عند الله ، وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ليوسّع بها على أمته ، فقرأ مرة لأبيّ بما عارضه به جبريل ، ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا ، وفي صحيح البخاريّ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «أقرأني جبريل على حرف ، فراجعته ، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتّى انتهى إلى سبعة أحرف» (٢).
فصل في ذكر الألفاظ الّتي في القرآن
ممّا للغات العجم بها تعلّق
اختلف الناس في هذه المسألة (٣) ، ...
__________________
(٤ / ٣٢٢) ، والحميدي (٨٢٥) ، وابن خزيمة (٥٢٧ ، ١٥٩١) ، كلهم من طريق زياد بن علاقة ، عن قطبة بن مالك. وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.
(١) الرّصف : ضم الشيء بعضه إلى بعض ونظمه. ينظر : «لسان العرب» (١٦٥٦)
(٢) أخرجه البخاري (٨ / ٦٣٩) ، كتاب «فضائل القرآن» ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ، حديث (٤٩٩١) ، ومسلم (١ / ٥٦١) ، كتاب «صلاة المسافرين» ، باب بيان أن القرآن على سبعة حروف ، حديث (٢٧٢ / ٨١٩) ، من حديث ابن عباس.
(٣) ذهب أكثر أهل العلم ، ومنهم الإمام الشافعي ، وابن جرير ، وأبو عبيدة والقاضي أبو بكر ، وأبو الحسين بن فارس إلى عدم وقوع لفظ أعجمي في كتاب الله تعالى. واستدلوا بقوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) [يوسف : ٢] ، وقوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) [فصلت : ٤٤] ، وقد شدد الشافعي النكير على القائل بعكس ذلك.
وقال أبو عبيدة : إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين ، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول ، ومن زعم أن «كذا» بالنبطية فقد أكبر القول.
وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ـ رحمهالله ـ : ما ورد عن ابن عباس وغيره من تفسير ألفاظ من القرآن إنها بالفارسية والحبشية أو النبطية أو نحو ذلك ، إنما اتفق فيها توارد اللغات ، فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة بلفظ واحد.
وقال ابن فارس : لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله ؛ لأنه أتى بلغات لا يعرفونها.
وذهب آخرون من العلماء إلى وقوعه فيه ، وأجابوا عن قوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا) بأن الكلمات اليسيرة بغير العربية لا تخرجه عن كونه عربيّا ، والقصيدة الفارسية لا تخرج عنها بلفظة فيها عربية ، وعن قوله تعالى : (ءأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) بأن المعنى من السياق : «أكلام أعجمي ومخاطب عربي!» كما استدلوا ـ