ذا ركام ورواسب ، قد انصبّ إلى بحر خضمّ عباب ، فامتزج بمائه ، وتشرّب من عناصره ، وصفا إليه من زبده ، وتطهّر لديه من ركامه ورواسبه» (١).
«وابن جرير» فقيه ، عالم تبحّر في فنون شتّى من العلم ، فهو أحد المشاهير من رجال التّاريخ ، ويعدّ كتابه «تاريخ الأمم والملوك» فيه مرجع المراجع ، وبه صار إمام المؤرّخين غير منازع.
وقد شهد له بذلك كثير من الأعلام ؛ يقول الخطيب البغداديّ (٢) :
«جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره ، وكان حافظا لكتاب الله ، عارفا بالقراءات كلّها ، بصيرا بالمعاني ، فقيها في الأحكام ، عالما بالسّنن وطرقها ، وصحيحها وسقيمها ، وناسخها ومنسوخها ، عارفا بأقوال الصحابة والتّابعين ومن بعدهم ، عارفا بأيّام النّاس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في تاريخ الأمم والملوك ، وكتاب في التفسير لم يصنّف أحد مثله ...».
لقد امتلك الطبريّ أدوات التّفسير ؛ فاستخدمها بمهارة وحذق ، ومن هنا عدّ تفسيره «ذا أوّليّة بين كتب التفسير ، أولية زمنية ، وأولية من ناحية الفنّيّة والصياغة ، أما أوليته الزمنية : فلأنه أقدم كتاب في التفسير وصل إلينا وما سبقه من المحاولات التفسيريّة ، ذهبت بمرور الزّمن ، ولم يصل إلينا شيء منها ، اللهمّ ، إلا ما وصل إلينا منها في ثنايا ذلك الكتاب الخالد الذي نحن بصدده (٣).
«وأما أوليته من ناحية الفنّ والصياغة ، فذلك أمر يرجع إلى ما يمتاز به الكتاب من الطريقة البديعة الّتي سلكها فيه مؤلّفه ، حتّى أخرجه للنّاس كتابا له قيمته ومكانته» (٤).
طريقة الطّبريّ في التّفسير :
حين يفسّر الطبريّ آية يضع لها عنوانا هكذا «القول في تأويل قوله جلّ ثناؤه ...» ثم يقول : «يعني تعالى بذلك ...» ويستشهد على التفسير بما يرويه بسنده إلى الصّحابة أو
__________________
(١) «التفسير ورجاله» ص ٣٠.
(٢) «البداية والنهاية» لابن كثير ١١ / ١٥٦.
(٣) هذا على اعتبار فقد تفسير «يحيى بن سلام» الذي أشرت إليه آنفا ، أما وقد ذكر الإمام الفاضل بن عاشور أن نسخة من الكتاب موجودة في تونس فإن تفسير الطبري لا يعد ذا أولية زمنية.
(٤) «التفسير والمفسرون» ١ / ٢٠٥.