وهكذا بذل هؤلاء التابعون جهدا ضخما في حمل الأمانة عن الصحابة ، ثم جاء تابعو التّابعين ؛ ليكملوا المسيرة ، وظلّت تتوارث حتّى وصلت إلينا ، فجزى الله كلّ من أسهم في هذا العلم خير الجزاء ، ونفعنا الله بالقرآن وعلومه!!
قيمة التّفسير المأثور عن التّابعين
تفسير التّابعيّ : إما أن يكون مأثورا عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أو عن صحابته ، أو لا ، فإن كان مأثورا عن النبيّ ، يأخذ حكم تفسيره صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك إن كان مأثورا عن الصحابة.
وإن لم يكن مأثورا عن النبيّ ولا عن الصحابة ، فقد اختلف العلماء في الرّجوع إليه والأخذ بأقوال التابعين فيه.
* فقد نقل عن أبي حنيفة أنّه قال (١) :
ما جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعلى الرّأس والعين ، وما جاء عن الصّحابة تخيّرنا ، وما جاء عن التّابعين فهم رجال ، ونحن رجال.
* ونقلوا عن الإمام أحمد روايتين ، إحداهما : بالقبول ، والأخرى : بعدم القبول (٢).
وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يؤخذ بتفسير التابعين ؛ لأنهم لم يسمعوا من النبيّ صلىاللهعليهوسلم بخلاف تفسير الصّحابة الذين سمعوا من النبيّ صلىاللهعليهوسلم وشاهدوا القرائن والأحوال.
وأكثر المفسّرين على الأخذ بأقوال التابعين ؛ لأنهم تلقوا على أيدي الصحابة ؛ كما سبق أن ذكرنا.
والرّأي الذي نرجّحه ، ونميل إليه هو ما ذكره ابن تيميّة ، قال (٣) :
«قال شعبة بن الحجّاج وغيره : أقوال التابعين ليست حجّة ، فكيف تكون حجّة في التفسير!! يعني أنها لا تكون حجّة على غيرهم ممّن خالفهم ، وهذا صحيح ، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجّة ، فإن اختلفوا ، فلا يكون قول بعضهم حجّة على بعض ، ولا على من بعدهم ، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن ، أو السنة ، أو عموم لغة العرب ، أو أقوال الصحابة في ذلك».
__________________
(١) راجع : «التفسير والمفسرون» للذهبي ١ / ١٢٩.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) «مقدمة في أصول التفسير» ابن تيمية ٢٨ ـ ٢٩ ، «الإتقان في علوم القرآن» ٢ / ١٧٩.