التابعين ، عارضا المعاني الحقيقة والمجازية في استعمالات العرب ، مستشهدا بالشّعر العربيّ على ما يثبت استعمال اللفظ في المعنى الذي حمله عليه.
وقد يعرض أقوال الصحابة والتابعين إذا تعدّدت في الآية الواحدة ، ثم لا يكتفي بمجرّد العرض ، وإنما يرجح رأيا على رأي بقوله (١) :
«وأولى الأقوال عندي بالصّواب ...» أو «وقال أبو جعفر : والصّواب من القول في هذه الآية ...» ، أو «وأولى التأويلات بالآية ...» ، ثم يويّد رأيه بقوله : «وبمثل الذي قلنا قال أهل التّأويل ...» أو بعرض حجج وأدلة قائلا : «وإنّما رأينا أنّ ذلك أولى التأويلات بالآية ؛ لأنّ ...» ، وقد عني ابن جرير بالقراءات عناية كبيرة ، ولا غرو ، فهو من علماء القراءات المشهورين ، وله فيها مؤلّف ، إلا أنه ضاع ضمن ما ضاع من التراث العربيّ القديم.
كما اهتم الطبريّ بالشعر القديم ، يستشهد به على الغريب ، وهو في ذلك تابع لابن عباس ؛ كما كانت له عناية بالمذاهب النحويّة البصريّة والكوفيّة ، يورد الرّأي ويوجّهه.
ويورد بعض الأحكام الفقهيّة في تفسيره ، مختارا لأحد الآراء ، مؤيّدا اختياره بالأدلّة العلميّة القيّمة ... (٢).
رحم الله الطبري وجزاه عن القرآن وتفسيره خير الجزاء.
ثانيا ـ الاتّجاه اللّغويّ :
وقد بدا هذا الاتجاه واضحا في أواخر القرن الثاني الهجريّ وأوائل القرن الثّالث ؛ إذ نشأ علم النّحو ، ونضجت علوم اللغة على أيدي الرّوّاد أمثال أبي عمرو بن العلاء ، ويونس بن حبيب ، والخليل بن أحمد الفراهيديّ ، وغيرهم.
وكان الغرض الأسمى من تأصيل هذه العلوم وتقعيدها خدمة القرآن الكريم ؛ صيانة له من اللّحن ، ولا سيما بعد اتصال العرب بالعجم.
وقد أثّرت هذه الدراسات في تفسير القرآن تأثيرا كبيرا ؛ إذ اشتغل اللغويّون أنفسهم بالقرآن ولغته ، وكان من أشهر هؤلاء العلماء «أبو عبيدة معمر بن المثنّى» المتوفّى سنة
__________________
(١) راجع : «تفسير الطبري».
(٢) راجع : «التفسير والمفسرون» ١ / ٢٠٢ ـ ٢١٨.