رسالة في الاستصحاب
الاستصحاب هو التعبّد الظاهري باستمرار متيقّن الثبوت ، وهو يكون من المولى بإنشائه الحكم الظاهري ، ومن العبد بالتزامه بذلك الحكم ، فكلّ من الشارع والعبد مستصحب.
ويعلم دخل اليقين والشكّ في موضوعه ممّا ذكرناه من التعريف. وقد عرّف الاستصحاب بنفس اليقين والشكّ ، وكأنّه ممّن يرى الاستصحاب من الأمارات ؛ إذ اليقين السابق هو المفيد لمظنّة الاستمرار.
وأمّا تعريفه ببناء العقلاء على الاستمرار ففاسد على كلّ حال ؛ لأنّ بناءهم كالإجماع ، والأخبار مدرك للاستصحاب لا هو نفسه.
ثمّ إنّ البحث عن أنّ الاستصحاب هل هو حكم فرعي أو أصولي لا أرى له موقعا ، فإنّه ليس له شأن مستقلّ ، بل تابع في ذلك للحالة السابقة ، فإن كان المتيقّن حكما أصليّا كان هذا أصليّا كاستصحاب الحجّيّة ، وإن كان حكما فرعيّا كان هذا حكما فرعيّا ، وإن كان حكما وضعيّا فحكما وضعيّا أو تكليفيّا ، فليس المنشأ بالاستصحاب إلّا مماثل ما كان سابقا.
واعلم أنّا عرّفنا الاستصحاب على مذاق القوم ، وإلّا فلا نعتبر نحن صفتي اليقين والشكّ في موضوعه ، وإن اشتملت عليهما الأخبار وأخذا تحت الخطاب. أمّا عدم دخل اليقين فبأنّ اليقين المأخوذ في موضوع الخطاب اعتبر طريقا إلى ثبوت المتيقّن لا موضوعا دخيلا في الحكم ، فكان معروض الحكم هو نفس المتيقّن ، ولا ينافي هذا رعاية معنى اليقين في إطلاق مادّة النقض ؛ حيث إنّه أمر مبرم فناسبه التعبير بالنقض عن رفع اليد عنه.