وقد التجأ الأستاذ مع تصريحاته باعتبار اليقين في الاستصحاب إلى إنكار ذلك في تنبيهات الباب (١) ؛ لمّا رأى انحصار التخلّص عمّا يتوجّه عليه من الإشكال على مبناه في الأمارات من القول بجعل الحجّيّة في الأمارات بأنّ باب الاستصحاب ينسدّ في الأغلب ؛ لعدم اليقين الوجداني بالحالة السابقة ، وإنّما الغالب قيام الأمارة عليها ، والفرض أنّ بقيام الأمارة لا ينشأ حكم ظاهريّ ليستصحب هذا الحكم الظاهري ولا حكم واقعي مقطوع ، والحجّيّة المنشأة قد نفدت بانقطاع الحجّة باختصاص مضمونها بالزمان الأوّل ، وإلّا لم يحتج إلى الاستصحاب.
وقد أفاد في دفع ذلك ما حاصله : أنّ أدلّة الاستصحاب شأنها إثبات الملازمة بين ثبوت شيء في زمان وبين استمراره تعبّدا لدى الشكّ ، وإذا ثبتت هذه الملازمة كانت الحجّة على الثبوت حجّة على الاستمرار فألجأه الاضطرار إلى المصير إلى ما قلناه (٢).
وأمّا عدم دخل الشكّ وكفاية عدم العلم بالحكم ـ وإن كان غافلا لكن كان بحيث لو التفت شكّ ـ فيظهر من المقابلة بين فقرة : «لا تنقض اليقين» (٣) وبين قوله : «ولكن تنقضه بيقين آخر» (٤) وأيضا قوله : «حتّى يستيقن أنّه قد نام» (٥) وأيضا تفريع «صم للرؤية وأفطر للرؤية» في مكاتبة القاساني على قوله : «اليقين لا يدخله الشكّ» (٦).
وبهذه الوجوه عمّموا الشكّ للمظنّة فليعمّم بينها لمطلق ما عدا اليقين بالخلاف ومنه الغافلة. وحسب ما قلناه لا يكون فرق بين أن يغافل المتيقّن بالحدث عن حاله ويصلّي ثمّ يشكّ في أنّه هل تطهّر أولا ، وبين أن يلتفت ويشكّ ثمّ يغافل ويصلّي في أنّ في كلتا الصورتين استصحاب الحدث جار لا سبيل معه إلى قاعدة الفراغ.
وأمّا أنّ الغافل كيف يخاطب بخطاب «لا تنقض»؟ فنقول في جوابه : إنّ غرضنا أنّ خطاب لا تنقض لا يقصّر عن سائر الخطابات ، فكما أنّ أثر شمول تلك الخطابات ذاتا للغافل يحقّق صدق عنوان الفوت في حقّه ، فيشمله خطاب «اقض» بعد رفع الغافلة ، فمن
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٠٥.
(٢) كفاية الأصول : ٤٠٥.
(٣) في الصحيحة الأولى لزرارة وتأتي في ص ٣٦٣ ـ ٣٦٤.
(٤) مضمون ورد في الصحيحة الثالثة لزرارة وتأتي في ص ٣٧٠.
(٥) في الصحيحة الأولى لزرارة وتأتي في ص ٣٦٣ ـ ٣٦٤.
(٦) تأتي مكاتبة القاساني في ص ٣٧٥.