والقوم غفلوا عمّا ذكرناه ، فمن متوهّم توهّم أنّ النقض هو قطع أمر متّصل ، وإذ لا متّصل في المقام توسّعوا في إطلاقه على شبه المتّصل والمتّصل الوهمي ، وهو ما كان مقتضي الاستمرار فيه موجودا ـ يعني لو لا الرفع كان المتيقّن بنفسه مستمرّا ـ ليشمل الاستصحابات العدميّة ، ومن هذا نشأ قصره للاستصحاب على الشكّ في الرافع (١) ، وإذ لا قطع حقيقي أيضا توسّعوا في إطلاقه على القطع الادّعائي والقطع في مقام العمل بعدم الاستمرار على مقتضى المتيقّن ، فكان هذا توسّعا في توسّع (٢).
ومن متوهّم آخر زعم أنّ النقض هو حلّ أمر مبرم ، وكان منشأ توهّمه آية (نَقَضَتْ غَزْلَها)(٣) ؛ ولمّا لم ير أمرا مبرما في المقام التجأ إلى التوسّع إلى الإبرام الوهمي ؛ لما يرى في صفة اليقين من الإبرام ، فكأنّ ترجيحات التقت فصارت يقينا ، وبلغت مرتبة عدم احتمال الخلاف ، فمصحّح إطلاق النقض في هذا هو نفس اليقين ، لا المتيقّن كما في التوهّم السابق (٤).
والعجب أنّ هذا المتوهّم جمع بين هذا وبين جعل اليقين مرآة فانيا في متعلّقه ، وموضوع النقض هو المتيقّن دون صفة اليقين ، والجمع بين كلاميه لا يخلو عن تكلّف. وقد عرفت معنى النقض وما هو المصحّح لإطلاقه في المقام ، وأنّ مصحّحه هو الجعل الواقعي للاستصحاب وتشريعه ؛ فلذا يكشف خطاب «لا تنقض» عن ذلك الجعل كشفا إنّيّا لا أنّ به يكون ابتداء الجعل.
وعلى ما ذكرناه عمّ الاستصحاب قسمي الشكّ في المقتضي والرافع. هذا ما يرجع من الكلام إلى مادة النقض.
وأمّا مادّة اليقين ، فهل المراد منه اليقين بالوضوء ـ أعني الغسلتين والمسحتين ـ أو الطهارة ، وهو الأثر الحاصل منهما؟ فيه إشكال ؛ فإنّ قوله : «الرجل ينام وهو على وضوء» (٥) يقتضي الثاني ، وباقي العبارات ظاهر في الأوّل.
وعليه كانت الرواية أجنبيّة عن المقام دليلا على اعتبار قاعدة المقتضي والمانع يعني
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٥٧٤.
(٢) فرائد الأصول ٢ : ٥٧٤.
(٣) النحل (١٦) : ٩٢.
(٤) كفاية الأصول : ٣٩٠.
(٥) في الصحيحة الأولى وقد تقدّم تخريجها في ص ٣٦٤.