كشفت كشفا إنّيّا ـ مطابق ما قدّرناه سابقا ـ على اعتبار قاعدة المقتضي دون الاستصحاب ، يعني أنّ المقتضي لشيء إذا تحقّق فأثره ـ وهو المقتضي بالفتح ـ يدوم بالتعبّد الشرعي حتّى يحصل القطع بالمانع ، فإذا لم يلتزم بدوام المقتضي لأجل الشكّ في المانع فقد نقض اليقين بالمقتضي بالشكّ في المانع.
نعم ، باقي الروايات ظاهرها الاستصحاب ، وهي لا تعيّن المراد من هذه ، فلعلّ كلتا القاعدتين معتبرتان شرعا.
وأمّا الكلام في الهيئة ، فاعلم أنّ جزاء الشرطيّة في قوله عليهالسلام : «فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ» (١) يحتمل أن يكون هي الجملة الأولى المدخولة للفاء على أن يكون المراد من اليقين ، اليقين الوجداني المتعلّق بالوضوء السابق ، لا اليقين التعبّدي بالوضوء الفعلي الذي هو عين معنى الاستصحاب ؛ زعما بأنّ الترتّب بين الشرط والجزاء لا يتمّ بدونه ؛ لوضوح أنّ اليقين بالوضوء السابق حاصل سواء تيقّن بالحدث أو بالطهارة أو شكّ فيهما ؛ فإنّ الزعم المذكور فاسد ناشئ من توهّم أنّ الترتّب معتبر بين ذات الجزاء والمقدّم ، وهو هنا غير حاصل ، وهو باطل ؛ إذ يكفي في صياغة الشرطيّة الترتّب بوجه ومن جهة ، فإذا كان الجزاء مرتّبا على المقدّم بجهة من جهاته وشأن من شئونه صيغت الشرطيّة.
وله نظائر كثيرة في الكتاب والسنة وعبائر الفصحاء ، ومن هذا الوادي قوله تعالى : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)(٢) ؛ فإنّ سرقة الأخ لمّا كان رافعا للعجب من سرقة هذا علّق على سرقته سرقة أخيه ، فكأنّه قيل : إن يسرق فلا عجب فقد سرق أخ له من قبل.
ثمّ إنّ من جملة شئون الشيء كونه محكوما بحكم هذا ، وبهذا الاعتبار جاز تعليقه على المقدّم ؛ إذ كان هذا الشأن مرتّبا عليه ، وحقيقته ترتّب الحكم على موضوعه. والمقام من هذا القبيل ؛ فإنّ الكون على اليقين من الوضوء السابق وإن لم يكن بذاته مرتّبا على المقدّم لكنّه مرتّب بجهة كونه محكوما بحكم «لا تنقض» ؛ إذ لو لا هذا اليقين لم يحكم بالاستصحاب ،
__________________
(١) في الصحيحة الأولى وقد تقدّم تخريجها في ص ٣٦٤.
(٢) يوسف (١٢) : ٧٧.