إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ في دلالة الأخبار على اعتبار الاستصحاب عموما أو اختصاصه بالشكّ في الرافع اشتباه ، منشؤه وقوع الاشتباه في مادّة النقض ، وأنّ معناه هو رفع الهيئة الاتّصاليّة ـ كما في نقض الحبل ـ حتّى يكون الأقرب إليه على تقدير المجازيّة هو رفع اليد عمّا يتوهّم فيه الاتّصال والاستمرار لوجود مقتضيه ، أو حلّ الأمر المبرم ـ كما في نقض الغزل ـ حتّى يكون مطلق رفع اليد عن اليقين نقضا لما يتوهّم فيه من إبرامه والتفافه من مراتب الرجحانات حتّى استحكم وصار يقينا مقابل صفة الظنّ.
وإليك موارد استعمال هذه المادّة في كلمات اللغويّين ؛ ليتّضح لك بطلان كلا المعنيين.
قال في القاموس : «النقض : في البناء والحبل والعهد وغيره ضد الإبرام ـ إلى أن قال : ـ ومن الفراريج والعقرب والضفدع والعقاب والنعام والسماني والبازي والوبر والوزغ ومفصل الآدمي أصواتها ـ إلى أن قال : ـ وأنقض أصابعه ضرب بها لتصوّت ، وبالدابّة ألصق لسانه بالحنك ثمّ صوّت في حافتيه ، والعقاب صوّتت ، والكمأة أخرجها من الأرض ، وبالمعز دعا بها ، والعلك صوّته ـ إلى أن قال : ـ والذي أنقض ظهرك ، أي أثقله حتّى جعله نقضا أي مهزولا ، أو أثقله حتّى سمع نقيضه» (١).
وفي المصباح : «نقضت الحبل نقضا أيضا حلّلت برمه ـ إلى أن قال : ـ وانتقضت الطهارة : بطلت ، وانتقض الجرح بعد برئه والأمر بعد التئامه فسد ، وتناقض الكلامان تدافعا» (٢).
وفي المنجد : «نقض نقضا البناء : هدمه ، والعظم : كسره ، والحبل : حلّه ، والعهد أو الأمر : أفسده» (٣).
وأنت خبير بعدم إمكان إرجاع هذه الاستعمالات إلى جامع يكون هو رفع الهيئة الاتّصاليّة ، أو حلّ الأمر المبرم. والذي يسعنا أن نقول : إنّ النقض أسند في الأخبار إلى اليقين الشامل لليقين بأمر له مقتضى الاستمرار ولليقين بما لم يحرز له مقتضى الاستمرار ، ولم يثبت لنا عدم صحّة نسبة مادّة النقض إلى بعض أقسام اليقين ، وهو اليقين بما لم يحرز له مقتضى الاستمرار ؛ لتكون النسبة قرينة التقييد في المتعلّق ، وحينئذ فيؤخذ بإطلاق
__________________
(١) قاموس المحيط ٢ : ٥١٠ و ٥١١ ، «ن ق ض».
(٢) المصباح المنير : ٦٢١ ، «ن ق ض».
(٣) المنجد في اللغة : ٨٣٢ ، «ن ق ض».