أنّك قد عرفت أنّ شيئا منها غير قابل للجعل المستقلّ ، فلا بدّ أن يتوجّه الخطاب الاستصحابي إلى منشأ انتزاعه القابل للجعل فينتزع هو منه.
والحاصل : لا بدّ أن يكون مجرى الأصل مجعولا بجعل مستقل ، أو يكون له حكم مجعول في المنشأ من جهة حكومة الأصل في المنشأ على الأصل في الحكم الوضعي بحيث لو أغمض النظر عن الأصل في المنشأ أو لم يجر لمانع من الموانع جرى الأصل في الحكم الوضعي.
وقد أصرّ الأستاذ على كفاية الجعل التبعي في جريان الأصل في التنبيه الثامن من تنبيهات الاستصحاب (١) وموافقا لما ذكره عند التعرّض للأحكام الوضعيّة ، خلافا لما ذكره في البراءة عند التعرّض لجريان البراءة في الجزئيّة والشرطيّة (٢).
[التنبيه] الثاني :
لا فرق في المستصحب بين أن يكون أمرا جزئيّات ـ أعمّ من أن يكون حكما أو موضوع حكم ـ وبين أن يكون كلّيّا. والمراد من الكلّي هنا ـ كالطبائع في مبحث تعلّق الأوامر بالطبائع أو بالأشخاص ـ هو وجود الكلّي ، فلا جرم يكون جزئيّا أيضا ؛ لأنّ الوجود مساوق للتشخّص.
نعم ، لا تكون الخصوصيّات الشخصيّة دخيلة في المستصحب ، بل الوجود بما هو وجود يكون مستصحبا مقابل استصحاب الوجود بخصوصيّاته المشخّصة.
ثمّ إنّ أقسام استصحاب الكلّي أربعة :
الأوّل : أن يكون الشكّ في بقاء الكلّي منشؤه الشكّ في بقاء الفرد الذي علم بتحقّق الكلّي في ضمنه ، فإذا كان الأثر للشخص تعيّن استصحاب الشخص لترتيبه ، أمّا إذا كان الأثر للكلّي قيل : يجوز استصحاب كلّ من الكلّي والشخص لأجل ترتيب أثر واحد هو شمول دليل «لا تنقض» مرّتين ، لليقين بوجود الشخص مرّة بما هو يقين بالشخص وأخر بما هو
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤١٧.
(٢) كفاية الأصول : ٣٦٦ ـ ٣٦٧.