ثمّ إنّ هذا الإشكال يعمّ كلّ استصحاب كلّي كان في الحكم ، ولا يختصّ بهذا القسم. وهناك شبهات تختصّ بهذا القسم بكلا شقّيه من حكميّة وموضوعيّة.
الأولى : أنّ الكلّي في الخارج موجود بوجود أفراده ، وليس شيء من الأفراد اجتمعت فيه أركان الاستصحاب ـ أعني اليقين والشكّ ـ فليس شيء من الكلّي اجتمع فيه أركان الاستصحاب ، بل إمّا لا يقين ولا شكّ جميعا ، وذلك في الفرد القصير العمر ؛ فإنّه مع عدم اليقين بحدوثه متيقّن العدم في الزمان الثاني ، أولا يقين بحدوثه فقط ، وذلك في الفرد الطويل العمر.
والحلّ هو أنّ الكلّي في الخارج وإن كان موجودا بوجود الأفراد ويلزمه ألا يتّصف بشيء من الصفات الخارجيّة إلّا بتبع اتّصاف أفراده ، فإذا لم يكن شيء من الأفراد متّصفا بصفة لم يعقل اتّصاف الكلّي بتلك الصفة ، ولكنّ مثل المعلوميّة والمجهوليّة ـ أعني وجود الكلّي في النفس ولا وجوده فيها ـ ليس من ذلك القبيل ، ولذا يكون الكلّي معلوما ولا يكون شيء من الخصوصيّات معلوم الحدوث على التعيين ، والكلّي مجهول الاستمرار بمجهوليّة استمرار فرد واحد من أفراده.
ونظير هذه الشبهة وحلّها تتّجه على القسم الثالث أيضا ، ومع ذلك ربما يقال : يجري الاستصحاب هنا ولا يجري هناك ؛ لخصوصيّة موجودة هنا ليست موجودة هناك سنشير إليها.
الثانية : أنّ الشكّ في بقاء الكلّي ولا بقائه ناشئ من الشكّ في حدوث الفرد الطويل العمر ، والأصل عدم حدوثه ، وهذا أصل في مرتبة السبب حاكم على استصحاب الكلّي ، ولا يعارض ذلك باستصحاب عدم حدوث الفرد القصير العمر ؛ إذ ليس أثر عدم حدوثه هو وجود الكلّي في زمان الشكّ ، ولا يثبت به أيضا حدوث الفرد الطويل العمر ليترتّب عليه وجود الكلّي في زمان الشكّ.
وقد أجيب عن الشبهة بأجوبة :
منها : أنّ الشكّ في بقاء الكلّي وارتفاعه ليس ناشئا من الشكّ في وجود الفرد الطويل العمر ، بل من كون الموجود المعلوم حدوثه هو الفرد الطويل العمر ، ومن المعلوم ألا أصل يعيّن حال الموجود الخارجي (١).
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٠٦.