وهذا الجواب مخدوش بوضوح أنّ وجود الكلّي ولا وجوده بوجود الفرد ولا وجوده ، لا بفرديّة الموجود ولا فرديّته. فلو جرى الأصل ونفي به الفرد ترتّب به انتفاء الكلّي ، وإن لم يتعيّن به حال الموجود الخارجي ، وأنّه ليس من أفراد الكلّي.
والتوهّم المزبور ناشئ من التعبير بكلمة البقاء والارتفاع ـ فتوهّم أنّ الارتفاع مرتّب على كون الفرد الموجود الخارجي هو ذلك الفرد القصير العمر المرتفع في زمان الشكّ ـ والغافلة عن عدم دخل عنوان الارتفاع في الشكّ الذي هو ركن الاستصحاب ، بل المعتبر الشكّ في الوجود واللاوجود للكلّي في الزمان الثاني بعد القطع بوجوده في الزمان الأوّل. ومن المعلوم أنّ الوجود واللاوجود للكلّي مسبّب عن وجود الفرد الطويل العمر ولا وجوده ، لا كون الموجود هو الفرد الطويل وعدمه حتّى يقال : لا أصل يعيّن حال الموجود الخارجي.
ومنها : ألا سببيّة ومسببيّة بين الشكّ في وجود الكلّي والشكّ في وجود الفرد ليكون الأصل في الثاني حاكما على الأوّل ؛ إذ لا تعدّد واثنينيّة بينهما ، بل أحدهما عين الآخر (١).
لا يقال : إنّ دعوى العينيّة يسدّ بابا من الإشكال ويفتح بابا آخر ، أعني يسدّ باب إشكال الحكومة ويفتح باب إشكال المعارضة ، فللخصم تبديل توهّم الحكومة بالمعارضة ، ويقول : إنّ استصحاب الكلّي المردّد بين فردين معارض أبدا باستصحاب عدم الفرد الطويل العمر منهما ؛ لأنّ المعارضة تكون في مثل ذلك ، أعني في أصلين متخالفين في مورد واحد.
فإنّه يقال : إنّ شيئا من الخصوصيّات على سبيل التعيين غير معتبر في وجود الكلّي.
نعم ، الكلّي في الخارج لا يكون إلّا متخصّصا بإحدى الخصوصيّات على البدل ، لكن يمكن التعبّد بوجود الكلّي لترتيب آثار الكلّي ، وأيضا التعبّد بنفي وجود خاصّ لنفي آثار ذلك الوجود الخاصّ.
ومنها : أنّ اللزوم والسببيّة بين وجود الفرد والكلّي عقلي ، وهو لا يجدي في تقديم الأصل في السبب على الأصل في المسبّب إلّا على القول بالأصل المثبت ، وإلّا فيعتبر في حكومة أحد الأصلين على الآخر كون مجرى المحكوم أثرا شرعيّا مرتّبا على الأصل في مجرى الحاكم (٢).
__________________
(١) كفاية الأصول : ٤٠٦.
(٢) نفس المصدر.