ودعوى توجّه التكاليف إلى كلّي البالغ العاقل لا خصوص الأشخاص الموجودين في عصر اليقين كدعوى توجّه التكاليف إلى الأفراد البالغين العاقلين لكن بالأعمّ من الأفراد المحقّقة والمقدّرة باطلة عاطلة ؛ فإنّ التكليف لا يعقل إلّا بخصوص الأفراد الموجودة فعلا لا يتخطّاها خطوة ، وإلّا لزم تكليف المعدوم. نعم ، عموم الإنشاء وشمولاه للموجود والمعدوم ممّا لا بأس به ، لكن فرض وجود مثل هذا الإنشاء يخرج المورد عن محلّ البحث ؛ إذ لا إنشاء كذائي ، وإلّا لم يكن مجال للاستصحاب.
والحقّ أنّ جريان الاستصحاب في المقام مبنيّ على حجّيّة الاستصحاب في القسم الثالث من الكلّي ؛ فإنّ جنس التكليف الموجود في ضمن تكليف أشخاص موجودين في عصر سابق يشكّ في ارتفاعه بانقراض عصرهم وبقائه على سبيل تبادل الأفراد في ضمن تكليف أشخاص آخرين ، فيستصحب جنس التكليف. ومعنى استصحاب جنس التكليف إنشاء تكليف ظاهري بعنوان البالغ العاقل ، فيكون المنشأ شخصيّا من التكليف شخصا ظاهريّا يجب عقلا امتثاله.
الثاني : أنّ أحكام الشرائع السابقة مقطوعة الارتفاع بالنسخ بالقطع التفصيلي أو الإجمالي المانع عن جريان الاستصحاب في الأطراف ، فلا شكّ بدوي في بقائها لكي يستصحب.
وفيه : منع العلم التفصيلي بالنسخ ؛ لأنّ هذه الشريعة ـ بل كلّ شريعة ـ ليست ناسخة لجميع أحكام الشرائع السابقة ، وأمّا العلم الإجمالي فهو لا يضرّ بجريان الاستصحاب في أمثال المقام ممّا لا يجري الأصل في بعض الأطراف ؛ فإنّ ما علم من الأحكام من صاحب هذا الشرع لا يجري فيه أصالة عدم النسخ ؛ لوجوب العمل على طبقه كائنا ما كان ، فيبقى الأصل في الموارد الخالية عن النصّ من صاحب هذا الشرع بلا معارض حيث لا علم إجمالي في أطرافها.
هذا كلّه في أصالة عدم النسخ بمعنى استصحاب الحكم الثابت أوّلا ، وأمّا أصالة عدم النسخ بمعنى التمسّك بإطلاق خطاب التكليف عند الشكّ في النسخ فهو سليم عن إشكال عدم اليقين بالتكليف ، بناء على عموم الخطاب للمعدومين ، أو ثبوت حكمه لهم بدليل الاشتراك.