إلى أنّ المسألة عقليّة ، مع احتمال أنّ ظنّ الضرر موضوعي على وجه تمام الموضوع للحكم الواقعي ، أو لعلّ حكمهم بالمعصية من جهة تحقّق مخالفة الحكم الظاهري ، بل لعلّهم يوجبون العقاب لهذه المخالفة وإن وافق الحكم الواقعي.
وعن حكم العقل بمنعه ، بل منع تحقّق التجرّي والهتك للمولى بمجرّد القصد.
نعم ، تنزيه النفس عنه كمال لها ، وكان الذمّ والتوبيخ واللوم المترتّب على خبث النفس اشتبه على المستدلّ بالمذمّة على القصد.
لكنّ الأوّل غير مستلزم للعقاب ؛ لأنّه على أمر غير اختياري. والذمّ المستلزم لاستحقاق العقاب من المولى هو ما كان على أمر اختياري.
وأمّا التقرير المتقدّم لحكم العقل فالجواب عنه : أنّا نختار أنّ من صادف قطعه للواقع هو الذي يستحقّ العقاب دون من أخطأ ، ولا يلزم إناطة العقاب بأمر غير اختياري ؛ إذ المصادف قطعه هو الذي أتى بسبب العقاب ـ وهو اختيار المعصية ـ دون المخطئ ؛ فإنّه لم يختر المعصية وإنّما زعم أنّه اختارها بزعم أنّ ما أتاه معصية. ولو سلّمنا أنّه اختارها كان عدم استحقاق هذا لأجل عدم الاختيار ـ وهو عدم مصادفة قطعه ـ لا استحقاق ذاك. وغير عزيز عدم الاستحقاق لأمر غير اختياري كمن حبس عن ارتكاب الحرام أو نام عنه أو نسيه أو غير ذلك من الموانع غير الاختياريّة.
فالمتحصّل ممّا ذكرناه هو عدم استحقاق المتجرّي للعقاب ، وإنّما يذمّ بخبث باطنه لا بقصده الناشئ من خبثه ولا بفعله الناشئ من ذلك القصد. هذا.
ولكنّ الذي يخطر بالبال عاجلا هو أنّ مناط استحقاق العقاب ـ على القول بأنّ العقاب والثواب بالاستحقاق ـ ليس هو مخالفة التكليف بما هو مخالفة للتكليف ومعصية ، بل بمناط عامّ سيّال جميع العقوبات العقليّة يكون بذلك المناط ، وكانت المخالفة جزئيّا من جزئيّاته وهو مناط مجازاة السيّئة بالسيّئة والاعتداء بالاعتداء والعقوبة بالعقوبة المصرّح به في الآيات الثلاث.
وحيث إنّ المعصية إساءة على المولى وظلم وهتك لحرمته كسلّ السيف عليه وفحشه وسبّه ، جاز أن يعاقب الشخص بما صنع ، كما أنّ عدم تهيئة مقاصد المولى وتحصيل أغراضه ظلم آخر على المولى. فكان في المعصية الحقيقيّة ـ بناء على تبعيّة الأوامر