أمّا الكلام في الأوّل فنقول : هناك احتمالات أربعة :
الأوّل : أن يجري الأصل في كلّ منهما ويعمل بالأصل فيهما ، أمّا في السببي فبالنسبة إلى غير المسبّب من الآثار ، وأمّا في المسبّبي ففي خصوص نفسه.
الثاني : أنّ لا يعمل بالأصل في شيء منهما ، بل يتعارضان ويتساقطان.
الثالث : أن يعمل بالأصل في الشكّ السببي دون المسبّبي.
الرابع : بالعكس. وهذا الأخير باطل لا قائل به ، والبقيّة لكلّ منها قائل.
ونحن نذكر وجه تقدّم الأصل في الشكّ السببي الذي استقرّ عليه الرأي اليوم حتّى يتّضح الحال في الباقي ، فنقول : قد استدلّ على تقديم الأصل في الشكّ السببي بوجوه ، عمدتها وجهان :
الأوّل : أنّ كلّا من السبب والمسبّب وإن اشتمل على أركان الاستصحاب من اليقين والشكّ ، وليس أحدهما أولى بالاندراج تحت دليل «لا تنقض» من الآخر ، إلّا أنّ إدراج السبب يوجب خروج المسبّب عن كونه نقضا لليقين بالشكّ ، بل يكون نقضا لليقين بالحجّة ، وهو دليل «لا تنقض» الشامل للسبب حيث إنّ معناه ترتيب آثار بقاء ذلك السبب ، ومنه هذا المسبّب ، فيكون خروج المسبّب عن تحت عموم الدليل خروجا موضوعيّا وعلى وجه التخصّص.
وأمّا إدراج المسبّب فهو لا يوجب خروج السبب عن الفرديّة لعموم الدليل ؛ لعدم ترتيب الملزومات على الأصل الجاري في اللوازم ، فليس استصحاب نجاسة الثوب المغسول بما شكّ في عروض النجاسة له معناه الحكم بطهارة ذلك الماء بخلاف استصحاب طهارة الماء ؛ فإنّ معناه جعل أحكام الماء الطاهر له ومنه ارتفاع نجاسة ما غسل به ، فيكون ما غسل به متيقّن الطهارة بحكم هذا الاستصحاب بخلاف العكس ، وكلّما دار الأمر بين التخصيص والتخصّص حكم بالتخصّص صونا لأصالة العموم مهما أمكن.
هذا ، مضافا إلى أنّ تخصيصه يكون من غير وجه أو بوجه دائر ؛ لأنّه إن كان بلا مخصّص فهو الأوّل ، وإن كان لأجل شمول العموم للشكّ المسبّب فهو الثاني ؛ لأنّ المفروض أنّ فرديّة الشكّ المسبّب للعموم موقوفة على عدم شمول العموم للسبب ، فلو فرض أنّ عدم شمول العموم للسبب كان لأجل فرديّة الشكّ المسبّب له وشمول العموم إيّاه كان ذلك دورا.